هناك نكتة بذيئة تتحدث عن لاعب كره يتعمد أثناء اللعب أن يخرج الكره خارج الملعب، فيقوم الجمهور بسبه، قائلين "..."، فيرفع يده للجمهور سعيدا بالسب، فيتعمد مرة أخرى إخراج الكره خارج الملعب ليستمع مرة أخرى بسب الجمهور له، منتشيا بالإهانة وسب ذاته المريضة.
هناك فئة من الكتاب تتعمد أن تكون مثل لاعب الكرة المريض هذا، فيقفون ضد الأعراف والطبيعة وقواعد الأخلاق، وناموس القبيلة، يختلفون من أجل الاختلاف..، وشعارهم "خالف تعرف"، كالمشجع التعيس الذي جلس في جانب الجمهور الخطأ فعندما أحرز الفريق المقابل هدفا، فقفز مهللا ومشجعا، فكان من نصيبة علقة ساخنة.
البعض يختلف ليس عن موقف فكرى جاد، ولكن فقط لكي يحصدوا الشهرة، وينفضوا عن أنفسهم الغبار الذي تراكم بسبب عزوف الناس عن كتاباتهم الرديئة، لا يهم أن يسبهم الناس ويحتقرهم الجمهور، ويصبون عليهم اللعنات، ويلقون عليه الأحذية، ولكن ما يهمهم فقط هو الهدف الخبيث وهو لفت الانتباه، وإثارة الجدل بين الناس.
هذه الظاهر ليست في مجال الكتابة فقط، ولكن أيضا في السياسة، .. الرأي العام العربي يقف ضد إسرائيل بسبب ما ترتكبه من مجاذر في حق الشعب الفلسطيني الأعزل، فيخرج كاتب مثل فرقع لوز ليمتدح ديمقراطية إسرائيل. إسرائيل تخترق كل الأعراف الدولية، وتحتل دولة، وتغتصب الأراضي، وتهجر الشعوب، وتسرق الأرض ببناء المستوطنات، وترفض كل المعاهدات والمفاوضات والتعهدات، فيخرج الرئيس الأمريكي ليمتدح حكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي ناتانياهو ، ويثمن سعى إسرائيل للسلام.
في الكتابة والإعلام والسياسة والفن والعمل العام ، يوجد دائما نموذج لاعب الكرة الشاذ الذي يخالف كل الأعراف، ويقف ضد الحقيقة والمنطق والطبيعة، ويستمتع بشتائم ولعنات وأحذية الجمهور.
نحترم حرية الرأي، ونقف مع أي صاحب موقف حتى لو وقف أمام العالم، بشرط أن يكون رأيه نابعا عن قناعاته، ويستهدف الصالح العام، ولكن إذا وقف أمام التيار فقط ليحقق الشهرة والمجد الزائف ويضلل الناس.. فلن يجد منا إلا اللعنات.
هناك مجموعة من القيم يجب أن يستند إليها الكاتب والفنان والإعلامي والسياسي .. وكل من هو في موقع التأثير، وهي قيم غير مكتوبة وغير معلنة، ولكنها موجودة في ضمير كل شخص.. من هذه القيم الأخلاق والمباديء والصالح العام والعدل والحرية والأمانة والموضوعية .
على سبيل المثال لا نصدق أن كاتبا يدعو إلى الرذيلة، لأن من الطبيعي أن يدعو الكاتب إلى مكارم الأخلاق.. أما إذا خرج أحدهم ليدعو لارتكاب الرذيلة فسيكون من عينة لاعب الكرة الشاذ الذي يستوجب السب واللعنات.
هناك كتاب يعرضون أنفسهم كالمعدات البحرية للتأجير، يزيفون الحقائق، فيمتدحون الطاغية، ويزيفون الحقائق، ويعتدون على المباديء، ويلعبون على كل الحبال، فحصدوا في الظاهر الأضواء والفلاشات والمناصب والأموال، ولكنهم في الباطن لم يحصدوا سوى لعنات الجمهور.
السياسي يجب أن يتحرى العدل، وأن يقف مع المظلوم ويواجه الظالم، أما إذا انحاز للقاتل وتبجح، وادعي أن الخطأ خطأ الضحية التي وقفت أمام مرمى النيران في الوقت الخطأ. كما يحدث في عالم السياسة، فإن هذا السياسي يستحق الضرب والركل والسباب كما استحق لاعب الكرة الشاذ.
الكثير من الناس يقفون ضد الطبيعة ويطلقون آراء ويتخذون مواقف ضد الطبيعة .. هدف أحيانا الشهرة، أو إثارة الجدل، أو إخفاء الحقيقة باثارة الغبار.. وهم يعتقدون بذلك أنهم يحصدون الشهرة، ولكنهم في الحقيقة لا يحصدون إلا اللعنات.
الكثير من الكتابات والأعمال الفنية والبرامج والمواد الصحفية والفضائيات تروج لمعاني غير أخلاقية كالانحلال والحرية الجنسية والفواحش والكذب والتزوير السياسي.. قد يتم ذلك علانية وتبجح بمهاجمة الجيد، ومدح الرديء، بإعلاء الخطأ، وتحقير الصواب، متذرعين بمبدأ حرية الرأي، وقد يتم ذلك عبر كتابات وأعمال بعناوين براقة، تخفي داخلها الرسائل الخبيثة، على طريقة "السم في العسل"، ولكنك إذا دققت بها قليلا ، وقرأت ما بين السطور، ستكتشف الرسائل الحقيقية .
هل تذكرون فيلم "النوم في العسل" الذي قام ببطولته عادل إمام، عندما ذهب الضابط إمام بعد تفشي ظاهرة العجز الجنسي بزيارة ابنه، والحوار الذي تم بينهما .. ، كانت هذه الزيارة هدفه اطمئنان الأب على الصحة الجنسية لابنه.. ، وعن علاقته مع صديقته، رغم أن هذا الابن غير متزوج. وانتهى اللقاء باطمئنان الأب على ان كل شيء تمام.
هناك إصرار دائم في بعض الأعمال الفنية على تقديم العلاقات الجنسية غير المشروعة بين الجنسيين كشيء عادي، وأن من يرفض ذلك الوضع جاهل وغير متحضر، وربما متطرف، نفس الرسالة الخبيثة يقدمها فيلم "سهر الليالي" عندما يقدم العلاقة غير الشرعية بين بطلة الفيلم وبطلته على أنها علاقة جميلة وعادية.. هذه هي الرسائل الخبيثة التي يريدون إرسالها إلى المجتمع، رسالة تشريع الخطأ.. لتحفظ في اللاوعي ، وتخرج بعد ذلك لدى الجنسين في المستقبل في شكل قناعات أو مواقف أو تصرفات.
نفس الأمر ينطبق على العديد من برامج الواقع التي تستهدف فرض واقع اجتماعي جديد على الأسرة العربية، واقع يقبل بالحرية الجنسية والمساكنة والتعري والانحلال.
تابعت ذات مرة برنامجا من برامج الواقع الأجنبية التي تبثها فضائية عربية تدعي أنها فضائية الأسرة العربية، وهالني ما لاحظته في هذا البرنامج من بذاءات وعبارات شائنة، ومواقف اجتماعية مخجلة.
أخرجوا لاعب الكرة الخبيث الذي يخرج الكره خارج الملعب ليستمتع بالسباب، ولا تكتفوا باللعنات، وواجهوا الكاتب والفنان والسياسي وأي شخص يقف ضد الطبيعة والمباديء والأخلاق، ليحقق ذاته المريضة، وأهدافه الخبيثة، وانتبهوا للقنابل المفخخة المخفية في ورق السولوفان.