الاغتصاب جريمة تعاني منها كل المجتمعات، ترفضها جميع الأديان، وجميع المواثيق الدولية التي تعتبره اعتداء على حقوق الإنسان، والاغتصاب جريمة أشد فظاعة في العالم الإسلامي والعربي الذي يعلي من قيمة الشرف، يظهر ذلك في موروثه الاجتماعي والأدبي، حيث يعتبر الاعتداء على الشرف اعتداء على الحياة، ويعتبر الدم هو السبيل الوحيد لإزالة هذا الاعتداء، وتطهير الشرف المغتصب، يقول الشاعر العربي ّلا يسلم الشرف لرفيع من الأذى / حتى يراق على جوانبه الدم".
كان الاغتصاب على مر العصور جريمة يرفضها المجتمع ويعاقب مرتكبها بأشد العقوبات، ورغم التطور الكبير الذي شهدته الأدلة الجنائية والقضائية على مر العصور ظل الاغتصاب مثله مثل الجريمة ظاهرة قبيحة تلوث سجل الإنسان على هذه الأرض.
ولكن الملاحظ أن الاغتصاب في الماضي كان له هدف واحد وهو تلبية الرغبة الحيوانية، ولكن في العصر الحديث أصبح للاغتصاب أهداف قذرة أخرى، منها الحرب النفسية، حيث يلجأ المحتلون والمجرمون إليه كوسيلة لإذلال الشعوب والمجتمعات، وقد حدث ذلك في مناطق نزاعات واعتداءات، وقد استخدم هذا السلاح القذر الصرب في البوسنة، والأمريكان في العراق، وميليشيا الجنجويد في دارفور. لقد لجأ جنود أمريكيون ـ في عهد بوش الإبن ـ إلى اغتصاب العراقيات أمام الأسرى من أقاربهن الرجال، لأنهم يعرفون جيدا قيمة الشرف في المجتمع الإسلامي فأرادوا أن يكسروا إرادة الرجال وإرادة الشعب، بل وإرادة الأمة، وكانوا يلتقطون صورا لوقائع الاغتصاب بالكاميرا الفوتوغرافية والفيديو للذكرى والتوثيق السياسي.
ولم يقتصر الأمر على ذلك بل امتد الأمر إلى اغتصاب الرجال وتعريتهم وانتهاك آدميتهم كما حدث في سجن أبو غريب ـ في عهد بوش الإبن ـ ، وبعض الوقائع نشرت صورها وشاهدها العالم، ولم يتحرك أحد.
ولكن إذا بحثنا في واقع الاغتصاب في العالم العربي سنكتشف عائقا كبيرا أمام مواجهة هذه الجريمة، حيث يؤدي الإعلاء من قيمة الشرف وتقديس السمعة والخوف المجتمعي الفطري من شيء اسمه "الفضيحة" بنتيجة عكسية ، وهي رفض الضحية أو أسرتها الاعتراف بما حدث، ورفض تقديم شكوى للجهات المختصة. حيث يرى الكثيرون أن تقديم الضحية شكوى سيكون مبررا لأن يلوك المجتمع سمعتها، ويتسبب في فضيحة مدوية لعائلتها من الصعب أن تمحوها الأيام والسنين.
وهذا الخوف على السمعة كان الوقود الذي يغذي وحش الاغتصاب ويكبره كما يزيد الخشب النار. وأصبح المغتصبون يستغلون هذه السمة الاجتماعية، ويرتعون في أعراض الناس، ويغتصبون دون أي رادع خلقي أو إيماني.
وللاغتصاب أنواع لم يتطرق إليها الاختصاصيون، فالاغتصاب لا يعني فقط الاعتداء الجنسي على ضحية، ولكن في بعض الأحيان يكون الاغتصاب أحد إفرازات الفقر، حيث يستغل الجاني الحالة الاقتصادية للضحية ومعاناتها من الفقر والعوز أو الدخل المحدود، ويرتكب جريمته، وهناك الاغتصاب بالسلطة، وذلك باستغلال الجاني لسلطته الوظيفية أو الاجتماعية على المرأة ويرتكب جريمته، وأكثر المعرضات لهذا النوع الخادمات والموظفات، ويوجد الاغتصاب بالشهرة، وذلك باستغلال رغبة المرأة في الشهرة فيغري الضحية بالشهرة والنجومية أو المال، وقد يتعرض لهذا النوع من الاغتصاب العاملات في مجالات إعلامية أو صحفية أو فنية، ومازلنا نتذكر واقعة الرشوة الجنسية التي حققت فيها الشرطة المصرية منذ سنوات، واتهم فيها مخرج بالتلفزيون قام بطلب علاقة جنسية مع ممثلة مغمورة ووعدها بترشيحها لأداء أدوار ي المسلسلات التي يخرجها.
كما يوجد الاغتصاب بالتهديد، وفيه يهدد الجاني ضحيته بإيذاء ابن أو أم أو أب أو الفصل وغيرها من وسائل التهديد، وقد يتم الاغتصاب بالغرير، وذلك بإقناع الضحية بأن ممارسة الجنس قبل الزواج حق طبيعي، وهو نفس السلوك الاجتماعي التي تروج له أفلام عربية معينة، ومخرجون معروفون بالاسم، وكل من هذه الأنواع يحتاج إلى دراسة تفصيلية تكشف جوانبها وتضع الحلول لها.
وقد تطور علم الأدلة الجنائية في السنوات الأخيرة، وباتت إمكانية إثبات حالة الاغتصاب معمليا عن طريق الحمض النووي متاحة، وقد وصل تطور هذا العلم إلى إمكانية إثبات الجريمة حتى ولو لم تقع واقعة الاغتصاب. حيث بات ممكنا كشف المعتدي حتى ولو أمسك فقط الفتاة ، وذلك عن طريق شرائح خفيفة من الحمض النووي يتركها جلد الجاني على جسد المعتدي عليها، وذلك يتطلب أجهزة معملية خاصة.
مواجهة ظاهرة الإغتصاب ممكنة ، ويمكن الحد منها بل والقضاء عليها، وذلك بتغليظ العقوبة وإعدام الجاني، الذي بدأت تأخذ به بعض المجتمعات ومنها مصر، وتطوير أدوات الطب الشرعي وتزويدها بأجهزة متطورة لكشف الحمض النووي، وإنشاء وحدات شرطية اجتماعية خاصة تتلقى البلاغات الخاصة بهذه الجريمة، وقبل ذلك توعية المجتمع، وإزالة هاجس الخوف من الفضيحة، بمواجهتها بدلا من الخوف منها، وذلك بإبلاغ الضحية الجهات المختصة، والأهم تغيير نظرة المجتمع إلى المجني عليها من النظرة الفضولية المسلية إلى الإشفاق والدعم والمساندة.