يعتبر البعض "الثقافة" مشروعا ترفيهيا كماليا، وينظر إلى المثقفين كفئة من فئات المجتمع، مثلهم مثل غيرهم من أصحاب الحرف. الثقافة شيء جميل عند الكثيرين، ولكنها مازالت فعلا جماليا إضافيا، إذا وجد .. خير وبركة، وإن لم يوجد لن تكون هناك مشكلة، ولهذا السبب كان التأثير الثقافي ضعيفا، وكان المثقفون دائما في كل عصر مجموعة برجوازية على الهامش، تغرد خارج السرب.
الثقافة فعل أساسي لا تختلف أهميته عن التعليم، فإذا كان التعليم ضروريا، الثقافة أصبحت أكثر ضرورة. بل أنه في كثير من الأحيان يصبح التعليم والثقافة مترادفان.
في هذا العصر لم يعد التعليم كافيا، ففي عصر الإنترنت والعولمة والعلاقات الدولية المتشابكة والفضاء المفتوح، تغير مفهوم التعليم ، ففي الماضي كانت الأمية تعني عدم معرفة القراءة والكتابة ، واليوم أصبحت الأمية هي عدم معرفة الكمبيوتر، وأصبحنا بحاجة إلى المواطن العربي المثقف القادر على التعامل مع ثقافات أخرى كثيرة ومتشابكة وصلت عن طريق الستالايت إلى غرفة النوم.
لم يعد يجدي أن يتعلم المرء تخصصا واحدا كاللغة العربية أو الأحياء أو الإستاتيكا ويتقنه ويعمل به بعد التخرج. أو يبدد جزءا من عمره لإعداد الدكتوراة عن "حتى". لم يعد مفيدا أن ينبغ الطالب في الرياضيات مثلا، ولا يفهم شيئا دونها. المحك الحقيقي في هذا العصر أن يكون الإنسان ملما بمجموعة متنوعة من الثقافات.
من الأهمية بمكان إدراك التشابه والترادف والتطابق الذي يحدث في بعض الأحيان بين التعليم والثقافة، والعمل على تطوير التعليم بإلغاء نظام التخصص التقليدي، وتقديم مناهج ثقافية عامة للدارسين في المراحل المختلفة، وربط المناهج بالعصر المتحول والمتغير. بذلك نقدم جيلا مثقفا قادرا على التغريد داخل سرب العالم الكبير.