أصدر مسئولون في الشرطة الأوغندية تعليمات لموظفي الأمن في مداخل الفنادق بفحص حمالات الصدر للسيدات بصورة دقيقة بعد ورود تهديدات عن استخدام إرهابيات "لحمالات صدر مفخخة".
ومن خلال الأخبار التي نتابعها عن العمليات الإرهابية، علمنا أن بعض الإرهابيين يستخدمون الأطفال والنساء في التفجيرات، وبعضهم يستخدم الحمير، والكلاب، وذلك لتجنب وجود خسائر بشرية من الاعتداء.
ولعل أفدح الأمثلة قيام الإنسان نفسه بعملية انتحارية لتفجير فندق أو حافلة أو مركز للشرطة، أو مجموعة من المصلين في مسجد، لأهداف دينية أو سياسية، وهو ما يحدث بشكل متكرر في بقاع عدة من العالم، في العراق وأفغانستان وباكستان وغيرها.
ولا أدري أولا ما هو الدافع الذي يدفع المرء إلى قتل نفسه، وتفجير جسده ليتحول بعدها إلى أشلاء، وما هو المبرر القوى الذي يدفع المنتحر إلى التضحية بنفسه بهذه الطريقة البشعة التي تقشعر لها النفوس، وما هي هذه العقيدة التي تأمر الإنسان بقتل نفسه بدلا من المحافظة عليها؟. وما هو هذا الدافع السياسي الرهيب الذي يدفع المرء إلى نقطة اللاعودة. نقطة تدمير الذات . ليس ذلك فقط بل تدمير الآخرين؟.
أي نصر هذا الذي يتم بالخسة، والندالة، والغش، والوضاعة، والجبن، والخداع، عندما يفجر الانتحاري نفسه بين مجموعة من الناس، أو أمام مدرسة، أو داخل مسجد أثناء سجود المصلين لخالقهم؟. إذا كان المهاجم يقصد فئة معينة من الناس في اعتقاده يستحقون القتل، فما ذنب الأبرياء الذين شاءت الأقدار أن يتواجدوا في نفس المكان؟.
ما ذنب الثلاثة آلاف شخص الذين قتلوا في أحداث سبتمبر 2001 خلال الهجوم "الانتحاري" على برجي مركز التجارة العالمي؟، ألم يدرك هؤلاء الذين قاموا بهذا الاعتداء ولو للحظة أنه قد يكون من بينهم مسلمون، أو مؤيدون للقضايا العربية، أو رافضون للسياسات الأمريكية، أو أناس أبرياء ليسوا طرفا في أي نزاع أو مشكلة؟.
أفزعني خبر نشرته مؤخرا عن مقتل سيدة فلبينية في مانيلا من جراء انفجار قنبلة وردت إليها عن طريق البريد في شكل هدية بمناسبة عيد الميلاد، وكما جاء في الخبر قتلت السيدة وهي جالسة، أثناء فتح العلبة ، وعلى وجهها ملامح الفرح والدهشة.
ولا أدرى من أين أتت ثقافة الانتحار إلى المجتمع المسلم، فعلى مر التاريخ الإسلامي لم نشهد مسلما انتحر، ولا صحابيا جليلا قتل نفسه، كانت الحروب عبارة عن نزال شريف بين خصمين. نزال يتم وجها لوجه ، لا يتم عن طريق الخبث والخداع والغيلة.
منذ الأزل وللحرب آداب وطقوس، حتى قبل ظهور الإسلام وضع العربي آدابا لكل شيء، ومن بينها الحروب، ورغم التجاوزات التي كانت تحدث والتي وردت في التاريخ، ظلت القاعدة العامة أن للحرب قواعد، وعندما جاء الإسلام رسخ هذه القواعد، ومنحها صفة الإلزام.
وكما وضع الإسلام آدابا للخلاف، وضع أيضا آدابا للحرب والغزو ومعاملة الأسرى، من خلال وصايا وأحاديث ونصوص قرآنية، على المسلم أن يتمسك بها، فليس معنى أن تحارب عدوا أن تنكل بجثته، أو تعذب الأسرى. أو تقتل الشيوخ والعجزة وتروع الآمنين، لأنهم في النهاية بشر خلقه الله.
قال الرسول الكريم للجيش قبيل إحدى الغزوات " لا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً ولا امرأة ولا تغلو"، حتى أن الأمر وصل إلى البيئة، حيث أمرنا الإسلام بالحفاظ عليها وعدم حرق الزروع والأشجار والبيوت، وتدمير الممتلكات، ولنا في موقفه صلى الله عليه وسلم قدوة عندما أمر بإطلاق الأسرى بعد فتح مكة، وقال لهم "اذهبوا أنتم الطلقاء".
كان تعبير "قرع طبول الحرب" شائعا، استلهاما لما يحدث قبيل الحروب، حيث تقرع الطبول في إشارة إلى الاستعداد للقتال، حتى مع قاعدة أخذ العدو على حين غرة، وأهمية عنصر المفاجأة في كسب الحرب، إلا أن الأصل أن كل طرف يعلم بالمواجهة، ويستعد لبدء النزال، وقبل المعركة يرسل كل طرف للآخر رسولا يعرض المطالب، فلربما رضخ أحدهم، وكفى الله المؤمنين شر القتال.
حتى في الثقافة الغربية هناك آداب للنزال، فمن أخلاقيات الفارس أن لا يأخذ العدو فجأة، وكان المقاتلان عندما يرغبان في النزال يتواعدان على موعد ومكان، حيث تتم المعركة بشكل متكافيء، هذا يحمل سلاحا، والآخر يحمل سلاحا. لا وجود لثقافة الطعن في الظهر، أو قتل الأعزل الذي لا يحمل السلاح.
حرم الإسلام الانتحار، واعتبر من يقدم عليه كافرا بمانزل على محمد، وأكد على الحفاظ على النفس، واعتبر "من قتل نفسا بغير حق، فكأنما قتل الناس جميعا"، وحرّم التمثيل بالجثث، حتى لو كانت "جثة كلب عقور". ولكن الإرهابيين ألصقوا الفكر الانتحاري بالدين، فربط مواطنو العالم المسلم بالإرهاب والانتحار والتدمير، وساهم ذلك في أكبر عملية تشويه تعرض لها الإسلام على مر تاريخه. والمؤسف أن هؤلاء الضالين يستندون إلى نصوص دينية وكتابات ومراجع، ويعتقدون أن ما يفعلونه هو الجهاد. للجهاد شروطه الفقهية، ومهما ثار الخلاف والجدل حول هذه الشروط، فإنه ليس من بينها مهاجمة الأبرياء، وترويع الآمنين، والقتل غيلة.
قد يكون دافع الانتحاري ظلم شديد تعرض له، وقد يكون قد تعرض لتعذيب وتنكيل من السلطات في بلاده، أو سلطات أجنبية، بأسلوب شكل وقودا للانتقام، حيث تكشف أن بعض هؤلاء الإرهابيين تعرضوا لأبشع صنوف التعذيب والإهانة، ولاقوا الأهوال سواء في سجون العدو أو الحبيب. قد يكون الدافع أحد هؤلاء أو حتى كلها، ولكن خسأ من يدعي أن الإسلام هو الدافع وراء ذلك.
ثقافة الانتحار ثقافة مدمرة دخيلة على المجتمع المسلم، حوّلت الجهاد من فعل سامي يرفع صاحبه إلى مرتبة الشهداء والقديسين، ويدخله أعلى درجات الجنة، إلى فعل وضيع مليء بالخسة والدناءة والغدر، يدخل صاحبه الجحيم.
مواجهة ثقافة الانتحار لن تنجح فقط بالحملات الأمنية، ولكن بمزيج من الردع الأمني والعدل الاجتماعي والحوار والشفافية والتوعية الدينية.