الوحدة العربية شعار جميل رددناه طويلا، حلم حملته الأجيال وهجست به الشعوب، وأعددنا له الأوشحة والتذكارات، وأنتجنا له الأغنيات الوطنية، ولكن مع إجماع الكثيرين على أهمية تحقيق هذا الحلم في عصر التكتلات الدولية والكيانات والقروش الكبيرة التي لم تدع مجالا للأسماك الصغيرة، لم نستطع حتى الآن أن نحدد ونتفق على الأسس التي سنبني عليها هذا البناء العظيم.
طالبنا بالوحدة وهتفنا لها، واحمرت وجوهنا وانتفخت أوداجنا من شدة الزعيق والحماس، ولكننا لم نبادر بالعمل، اكتفينا بالنيات الحسنة، ولم نمسك معولا لنبني أو فأسا لنزرع فسيلة الحلم، اكتفينا بأحلام اليقظة.. المخدر اللذيذ الذي يبعدنا عن الواقع الكئيب.
الثقافة هي الكيان الوحيد الذي لا يعترف بالحدود والتأشيرات والجنسيات وأختام المرور. يسكن في أي أرض، ويحلق في أي سماء، فلا أحد يستطيع إيقاف فكرة أو إبداع أو رؤية ثقافية، والمبدع الحقيقي لا جنسية له، إذا لم تصدق قل لي ماهي جنسية المتنبي وطاغور وابن سينا..؟، المبدع يحمل الجنسية الإنسانية التي لا يمكن حصرها في بلد أو عرق أو جنس.
"الوحدة الثقافية" خيار ضروري وحتمي ولبنة مهمة في بناء الوحدة الشاملة، وهي قادرة على اختصار الزمن وتحقيق المعجزات، وتجاوز صعوبات ومفاوز وجبال صعبة على الطريق.
"الوحدة الثقافية" يجب أن تتم أولا بين الكتاب والمثقفين والصحفيين والإعلاميين والمفكرين ورجال البحث العلمي، ونعني بهذه الوحدة الضمير الجمعي الذي يجمع هذه الصفوة العربية التي تفكر وتبدع وترسم مستقبل الشعوب، الضمير الذي يذكرنا دائما أننا عرب، وأن المستقبل واحد والتحديات واحدة، وأن الوصول بالسفينة إلى بر الأمان مسؤولية الجميع.
يجب أن يعي المثقفون دورهم في تحقيق الوحدة العربية، وأن يضمنا جميعا الضمير الجمعي المسؤول، وأن نتحدث بضمير واحد، فإذا تحققت الوحدة الثقافية أصبح الباقي سهلا، وتصبح الوحدة العربية تحصيل حاصل.