إذا خرج لك مارد فجأة من براد الشاي، ـ مع الاعتذار لجدنا علاء الدين ـ وقال لك "شبيك لبيك.. عبدك وبين إيديك" ، وطلب منك تحديد 10 طلبات لينفذها لك فورا. هل فكرت ماذا تقول . المفاجأة لاشك ستعقد لسانك، وربما يغمى عليك، لأن زمن المعجزات ولى .. ، وربما لأنك لم تتعود طوال حياتك التي عشتها أن يبدى أحد استعداده الكامل لتنفيذ طلباتك وأوامرك بهذه الأريحية وهذا الكرم. لقد تعودت أن تطلب أنت وتصرخ وتزعق دون جدوى..!.
معظم الناس ستنحصر مطالبهم في الثنائي الشهير "شقة وعروسة يارب"، حيث أصبح ذلك حلم الشباب في معظم الدول العربية، حيث أدت البطالة وغلاء المهور، إلى إجماع الشباب العربي على هذين المطلبين، والبعض الآخر سيأخذ نفسا عميقا ويطلب مالا، وسيارة، وفيلا ، وشاليه في الساحل الشمالي، وعروسة جميلة، وشركة خاصة، والشهرة، والمنصب، والنفوذ، والجاه، ومع تسليمنا بتفاوت الأحلام من شخص لآخر، إلا أننا وبالنظر إلى الواقع يمكننا القول أن معظم الأحلام الشخصية لا تخرج عن هذه الأشياء العشرة.
بالطبع قد يطلب شخص أحلاما عامة كتحرير القدس، أو اتحاد العرب، أو نصرة الإسلام، .. ، وهذه كلها أحلام مشروعة، ولكن الغالبية ستكون أحلامهم الشخصية أولا ، ولن تخرج عن هذه الأحلام . ذلك لأن الحاجة الشخصية تتقدم على الحاجة العامة، كما أن المنطق يقول أن الطعام أهم من العمل، والصحة أهم من المال.
وإذا تأملت معي قليلا في قائمة الأحلام العشرة ستكتشف أنها جمعها من النعم الزائلة التي تأتي وتذهب، ولا توجد ضمانة واحدة على ثبات أي منها، فالمال قد يأتي، ولكن قد تتعرض لخسارة مالية في البورصة مثلا فيتلاشي، والسيارة قد تتعرض لحادث مروري، فتصبح كومة من الصفيح، والفيلا الفاخرة قد يأتي حريق فيأتي عليها في ساعات، كذلك في الشاليه، أما العروس الجميلة فقد يفرق بينكما الطلاق، والشركة قد تؤمم أو تفلس، والشهرة أيضا قد تأتي وتذهب، وكم من المشاهير في العصور الماضية انحسرت عنهم الأضواء بعد زوال المنصب، وأصبحوا يعاشرون الوحدة في شقق بسيطة بعيدة عن الناس. كذلك يمكن أن يحث للمنصب والنفوذ والجاه، فكم من أناس كانوا يملأون الدنيا بمناصبهم ونفوذهم وجاههم، تغير بهم الحال، وأرتهم الدنيا وجهها الآخر، فخسروا كل شيء.
هذه الأحلام العشرة تبدو لأول وهلة أحلاما رائعة ستحقق لصاحبها فورا السعادة، فبمجرد التفكير بها تتحسن الحالة النفسية، ويسيل اللعاب، ولكنك إذا دققت في ديمومة هذه الأحلام ستكتشف أنها أحلام مؤقتة، لا يوجد ما يضمن استمرارها، فما قيمة الحلم إذن إن جاء ثم ذهب..؟. ما فائدة أن تصبح فجأة غنيا تأكل أشهى المأكولات، وترتاد أفخم الفنادق، ثم فجأة ينتهي الحلم، وتعود إلى الفول والطعمية، والخبز الحاف؟.
هل تحقق هذه الأحلام العشرة السعادة؟، الإجابة .. لا ..، والدليل على ذلك أن هناك كثيرون تتوفر لديهم هذه الأحلام العشرة، ولكنهم تعساء، لا يعرفون للسعادة طعما، يتحرقون شوقا للحظة من هدوء البال والنوم العميق ولكن هيهات.
من مواصفات الحلم الاستمرارية، ولكن الواقع يؤكد أن أيا من هذه الأحلام العشرة يمكن أن تستمر، إذن ما هو الحلم الذي يمكن أن يستمر، وما هي الشجرة التي تنبت جذورا وأوراقا ، ولا يصيبها الجفاف؟. ماهو الحلم الثابت الذي يمكن أن يستمر .
قد يقول قائل : الحرية .. ربما، وقد يرى آخر أنها الديمقراطية، .. احتمال ، وقد يتحذلق البعض ويقول الانتخابات النزيهة، .. Perhapse ، ولكن هذه الأحلام أيضا إذا تحقق أحدهما ، ليس هناك ما يضمن أن يقودنا إلى تحقيق هذه الأحلام العشرة. فكرت كثيرا في الحلم الذي لو تحقق يمكن أن يقودك إلى تحقيق الغنى والعروسة والجميلة والمنزل الفخم وإلى آخر قائمة الأحلام.
اكتشفت أن "العدل" هو الحلم الوحيد الذي يتميز بصفة الثبات، والذي يمكن من خلاله الوصول إلى الأحلام العشرة، ليس ذلك فقط، ولكن العدل هو الضمانة الوحيدة لاستمرار هذه الأحلام وعدم ضياعها.
العدل هو الذي سيؤمن لك المال، لأنه سيأخذ من الغنى ليعطي الفقير، والعدل سيمنع الآباء من المغالاة في المهور، فتتوفر لك بذلك العروسة، إذا توفر العدل سيشعر الإنسان بالمساواة ، ويحصل على حقه في العمل والخدمات والفرص والزواج والترقي والنجاح، فيقنع بما كتبه الله له، بالعدل تتراجع الجريمة والفقر والقلق والمرض والنزاعات، ويأمن الإنسان ـ من بعد خوف ـ على ماله وعرضه، ومستقبله.
ولنا في الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز مثل، حيث عمت فترة حكمه العدل والرخاء في أرجاء البلاد الإسلامية، حتى أن الرجل كان ليخرج الزكاة من أمواله، فيبحث عن الفقراء فلا يجد من في حاجة إليها.
وعن عطاء بن أبي رباح قال "حدثتني فاطمة امرأة عمر بن عبد العزيز :أنها دخلت عليه فإذا هو في مصلاه، سائلة دموعه، فقالت: يا أمير المؤمنين، ألشئ حدث؟ قال: يا فاطمة إني تقلدت أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلّم، فتفكرت في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري المجهود، والمظلوم المقهور، والغريب المأسور، وذي العيال في أقطار الأرض، فعلمت أن ربي سيسألني عنهم، وأن خصمي دونهم محمد صلى الله عليه وسلم، فخشيت أن لا تثبت لي حجة عن خصومته، فرحمت نفسي فبكيت.
وللعدل مكانة عظيمة في الإسلام، وهو أمر إلهي تم التأكيد عليه في مواضع عدة من القرآن الكريم، وفي عدد غير قليل من الأحاديث النبوية الشريفة، قال تعالى (ولا يجرمنكم شنأن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى).
قديما قالوا "العدل أساس الملك"، وفي ذلك تجسيد لأهمية العدل في بناء المجتمع السعيد، العدل حلم يختصر الأحلام، طريق خير يقود إلى أبواب كثيرة للخير، ويقود إلى الكثير من الأحلام، والميزة الأهم أن العدل إذا تحقق، فإنه يوفر الديمومة والاستمرارية لمكتسبات الإنسان، فمادام العدل موجودا، سيعم الخير الجميع.