أطفأت دول العالم أول من أمس جميعا في توقيت واحد الأنوار لمدة ساعة، في إطار حملة من أجل الأرض تجري للسنة الخامسة على التوالي، لتوعية الرأي العام العالمي بمشاكل ارتفاع حرارة المناخ، وما يترتب عليه من نتائج كارثية، وشهد هذا العام مشاركة 134 دولة ومنطقة، في ظل تنامي الوعي بقضايا البيئة في العالم.
الجميل في هذه التجربة وأحد عوامل نجاحها أنها تمت بشكل جماعي، وفي ذلك فوائد جمة، لأن النشاط الجماعي دلالة على اتحاد العالم في مواجهة مشكلاته عامة، والكثير من القضايا التي يعتقد البعض أنها قضايا محلية كالبيئة والحرية والعدالة، والإرهاب، والمخدرات، والعنف الأسري ، وغيرها .. أصبحت في العالم الجديد قضايا عامة، يشترك فيها الجميع.
يرى خبراء علم النفس أن لممارسة الهوايات بشكل جماعي فوائد كثيرة، لما لذلك من فائدة في المشاركة، والتقليد، ودعم كل طرف للآخرين والعكس ..، العمل الجماعي يحقق دائما عناصر التسلية وتبادل الآراء والأفكار .. ويساعد على النجاح، و"ساعة الأرض" تحقق ذلك.
والفكرة ليست جديدة، ولكن اتساع عدد المشاركين بها ليشملوا كل هذا العدد من الدول هو الجديد، فهي شبيهة بالدقيقة التي يقف فيها الجميع حدادا على رحيل شخص أو مجموعة، وكذلك تشبه أسابيع "الشجرة" والمرور" التي تنظمها بعض الدول ، وذلك لترسيخ فكرة العمل التطوعي، في مجالات مختلفة، ومنها نشر الخضرة ، والحفاظ على قواعد المرور. ولكن المهم أن لا يظل الساعة ساعة والأسبوع أسبوعا، وأن نعود بسرعة البرق إلى قانون الفوضى، المهم أن يتحول الحس الشعبي تجاه الفكرة من ممارسة مؤقتة إلى ممارسة عامة ، وأن يتحول العمل التطوعي من مجرد ممارسة تطوعية نادرة إلى أسلوب حياة.
فكرة "ساعة الأرض" التي نجحت عالميا يمكن تطبيقها في مجالات مختلفة، وحصد الكثير من مزاياها التوعوية والاقتصادية، على سبيل المثال يمكن تخصيص ساعة أخرى لترشيد المياة، وأخرى للنظافة العامة، وثالثة للتوقف عن استخدام السيارات والإستعاضة بذلك بالمشي أو استخدام الوسائل العامة.
وبالطبع فإن قيام هذا العدد الكبير من الدول بالتوقف عن استخدام المياة لمدة ساعة سيساعد على توفير كميات هائلة من المياة المهددة بالتناقص، وهي قضية مشتعلة، مما دعا البعض إلى التحذير من حرب مقبلة حول المياة.
أما ساعة النظافة فستساعد على الحفاظ على البيئة، ونشر الجمال، ولذلك بالطبع فوائد معنوية واقتصادية واجتماعية، كذلك الأمر لو خصصنا ساعة نتوقف فيها عن استخدام السيارات الخاصة، وذلك سيقلل نسب التلوث والضوضاء، وتقليل الوقود، ويساعد الجسم على الحركة، وما في ذلك من فوائد صحية واجتماعية واقتصادية.
نجاح تجربة "ساعة الأرض" يغري باستحداث المزيد من الساعات، فيمكن مثلا تخصيص ساعة للتطوع، وساعة لنشر الخضرة، وساعة للرفق بالحيوان، كما يمكن توظيف ذلك على صعيد التثقيف السياسي بتخصيص "ساعة للديمقراطية" يتم في خلالها التوقف عن جميع التصرفات الدكتاتورية، في المنزل بين الأب والزوجة والأبناء، وفي العمل بين المدير والمرؤوسين، وفي الشارع مع الجيران والمارة والباعة ، .. ساعة ننشر من خلالها مفاهيم الديمقراطية الصحيحة التي تعني احترام الآخر، وقبول رأيه حتى لو اختلفنا معه. "ساعة للديمقراطية" سيشترك فيها كل الدول وكل الشعوب .. ، وسنتعلم من خلالها دروس الحرية والعدل والمساواة.
بالتأكيد سيعارض هذه الساعات كثيرون ممن اعتادوا الكسل والفوضى والسلوكيات الخاطئة . في العام الماضي 2010 حلت ساعة الأرض علينا ونحن نتناول طعام العشاء ضمن وفد صحفي في مطعم بيروتي، عندها جاءنا مسؤول المطعم وكان صيني الجنسية وأبلغنا بتأدب أن المطعم سيطفيء الأنوار ساعة وذلك كمشاركة في ساعة الأرض. ووافق الحاضرون على مضض. ورغم الهدوء والشاعرية التي أضافهما الظلام على المكان . إلا ان البعض اعترض بطريقة فجة. وطالب بإشعال الأنوار .. فاضطرت إدارة المطعم إلى تلبية رغبة الزبائن . هناك بالطبع معارضون لمثل هذه الأفكار من عشاق الفوضى والزحام والضجيج، ولكن مهما كان حجم الرفض. ستكسب الفكرة بالتدريج المزيد من المؤيدين والأنصار.
"ساعات المبادي" التي بدأتها "ساعة الأرض" ستكون أشبه بالتدريب والتعليم والتوعية والتذوق .. ، يتم خلالها التعرف على المبدأ وممارسته وتطبيقة، وتلمس نتائجه وجدواه، ويمكن بعدها أن تزيد الساعة إلى ساعة ونصف ، ثم ساعتين .. وهكذا تصبح المباديء بالتدريج عادة إنسانية.
المباديء كلمة إنشائية ثقيلة على السمع، مفيدة ، ولكن صعبة الهضم، مغذية ولكنها غير شهية، لذلك يجب ـ كأي سلعة ـ أن تروج وتسوق وتزود بكل عوامل التشويق والإبهار .. ليقبل عليها المستهلكون. المباديء إن لم تقدم بشكل مشوق سيعزف الناس عنها .. و"ساعات المباديء" فكرة جديدة مشوقة يمكن أن تحقق الكثير من الأرباح.