زمان كان إذا حدث عراك في الشارع بين شخصين. اندفع الجميع للتفرقة بين المتعاركين، مجموعة تأخذ الأول في ناحية، ومجموعة تأخذ الثاني في ناحية أخرى، وهنا مثل شعبي يقول هنا "ما ينوب المخلص إلا تقطيع هدومه" أي أن المبادر بالتفرقة بين المتشاحنين يخرج في النهاية بملابس ممزقة، ورغم ذلك فإن المخلّص كان على استعداد دائم لخسارة ملابسه في سبيل التفرقة بين الإثنين.
وكانت هذه الصورة الشعبية تشهد أحيانا مظاهر طريفة، كأن يقوم أحدهم بتصنع الزعيق في الطرف المخطيء حتى يطيب خاطر الآخر، وينجح في التفرقة بين الإثنين، وفي حالات أشد دراماتيكية يقوم المخلّص بضرب الإثنين لتشتيت أنظارهما والنجاح في التفرقة بينهما.
هذه العادة المجتمعية التي تصر على التفرقة بين المتعاركين راجعة إلى إدراك خطورة الشقاق والشجار والعراك ليس على المتشاحنين فحسب، ولكن على المجتمع ككل، وهي تعكس الإصرار على إيقاف الشقاق والخلاف قبل أن يتطور ويأتي بما لا يحمد عقباه.
ولكن في العصر الحالي قلت الحمية كثيرا، وأصبحنا نلمس عزوفا عن التدخل، وأصبح الناس عند العراك يركضون بطريقة مضحكة، ويؤثرون سلامة الملابس، بل أننا نلمس أحيانا استمتاع البعض بالفرجة، تماما كما يفعل الناس وهم يشاهدون الديوك المتصارعة.
وفي حالة مرضية متقدمة يمارس البعض مهمة "نفخ الكير" كما يفعل الحداد الذي ينفخ الهواء في الرماد لتظل النار مشتعلة، فكما يوجد مشجعون لكرة القدم هناك مشجعون للخلاف جاهزين دائما للقطيعة.
أنا حزين لتراجع هذه الصورة الشعبية التي كانت سمة أصيلة من سماتنا العربية، وأخشى أن يتطور الأمر ونصل إلى ما يحدث في الغرب عندما يقتل المرء أمامنا بدم بارد ، فينصرف كل منا إلى حال سبيله.