هل رأيت يوما مخبولا ينطح الصخر؟، هل قرأت عن المجرمين الذين طاردهم الشرطة ويلفظهم المجتمع، ويعزلهم في سجون لسنوات طويلة، وأحيانا يحكم عليهم بالإعدام؟، هل تابعت في التلفاز الإرهابي الغبي الذي يفجر نفسه، فيتحول في لحظة إلى أشلاء، من أجل فتوى كاذبة؟.
بالطبع قرأت عن مريض البرانويا الذي يشعر بعقدة الارتياب والاضطهاد والدونية، فيعتبر كل من حولهم سيئين، وهو وحده المصلح الوحيد، وعقدة النقص، عندما يهاجم الفاشل الناجحين، ويحاول "الأزعر" أن يناطح هامات الكبار.
هل تعرف حواة الكتابة الذين منحهم الله الموهبة فوظفوها ـ كالمرتزقة ـ لمن يدفع أكثر، يلحسون بألسنتهم الأحذية ليقبضوا الرواتب، ويحصلوا على الهبات، تماما كالنصاب الذي أعطاه الله الذكاء، فبدلا من أن يستغله في شيء مفيد، استغله في النصب على الآخرين.
من الطبيعي أنك سمعت عن حواة الصحافة المفلسين الذين لا يملكون بضاعة، فيبيعون ماء وجوههم، وضمائرهم، يلعبون بالبيضة والحجر والكلمات، يقفزون على كل الأسلاك، ويتعرون، لكي يحصدوا كراقصات الاستربتيز الإعجاب الرخيص.
كانت جدتي عندما يضرب أحد في الشارع ابنها تقول للمعتدي "ضربة في قلبك" كانت هذه الاستعارة رد عاطفي عفوي تواجه به كل ظالم، استعارة من التعبيرات والأمثلة المصرية التي يذخر بها قاموسنا الشعبي .. سلاح شعبي ضد الظالم والكاره والحاسد وأولاد الحرام.
أستعير بلاغة المصريات، والبلاغة الشعبية، والفلاح المصري الفصيح، وأقول "ضربة في قلبك"، وأوجه كلامي هذه المرة لأعداء مصر في كل مكان، الفئران التي تخرج كل فترة من جحورها، وتلتفت يمنة ويسرة، تلعق شواربها بخبث، وعندما تسمع دبيب الأقدام تختفي سريعا في الجحر، أعداء مصر الكارهين الحاقدين ، الخفافيش التي جبلت على الظلام، فلم تعرف أبدا منظر الضوء. العبيد الذين استأنسوا السلاسل، سبحوا بحمد السجان.
"ضربة في قلب" كل أعداء مصر المناضلين الكاذبين، الذين يرفعون شعار المقاومة، ولم يحرروا دجاجة، أو نخلة، تجار الحروب والجثث والبطولة الزائفة، ينضالون في مراقص لندن، وبانكوك، وأروقة الدعارة.
"ضربة في قلب" أبطال الممانعة والمفاخذة وتجار البشر، عار العرب الذين يتشدقون بمكارم الأخلاق وهم أول من يطعنون الأخلاق، يطالبون بالحقوق المشروعة، ويسرقون في السر أموال اليتامى والثكالى، يزعمون أنهم سدنة العدالة، و "يأكلون مال النبي" كما يقول التعبير الشعبي العميق.
وأعداء مصر هم أعداء النور، والحضارة، والتاريخ، والريادة، والعلم، والحصاد، والخصب، والنماء، والعلم، والضوء، والحرية، والعداوة هنا ليست وجهة نظر شخصية، ولكنها مرض ينخر في العظم، ولا يفلح معه العلاج.
وهناك بالطبع فرق بين العداء وحرية الرأي، فمصر هي من علمت الأمم حرية الرأي منذ أكثر من سبعة آلاف عام، ولكن النقد شيء آخر تماما. النقد الحقيقي أن تكون منصفا حتى مع عدوك، تذكر محاسنه وعيوبه بعدل وتجرد. أن تنقد بحب، ولكن العداء الشخصي يعميك، فتمشي كالأعور تتحسس الأشياء، وتكون قابلا للاصطدام في أول شجرة.
والعداء في حد ذاته مصدر ضعيف، فعل يؤكد العجز والفشل وضعف الحجة، العداء فعل يائس لهؤلاء غير القادرين على التفاعل والإعجاب والتقدير والتقييم، والمعادي شخص انعزالي يكره الحياة، فالكره أسهل من الحب، والسقوط أسهل من الصعود، واليأس أسهل من الأمل.
ولأن المعادي شخص ضعيف غير قادر على إعلان عدائه، والنقاش والمواجهة، فهو يلجأ دائما لأسلوب "الاستعداء"، وهو استعداء الآخرين، كأن يستعدى حاكما أو مسؤولا على شخص أو جماعة أو فئة أو شعب، والاستعداء قد يتم بالطلب المباشر، وأحيانا يتم بالإيحاء.
والعدو ليس شرطا أن يكون من خارج البلاد ، فالعدو للأسف يمكن أن يخرج من صلبك، ويبرز من بين ظهرانيك، قال تعالي "ياأيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدو لكم فاحذروهم".
العداوة هواية عربية قديمة، منذ أن العصر الجاهلي حيث كان العربي يرتحل وراء الكلأ من مفازة إلى أخرى، وكان هاجس الخطر قانونا في هذه البيئة الصحراوية الموحشة، العداوة بيئة وتربية، ومن لا يتعلم الحب، لن يجد إلا الكره، لذلك تخلفت أمة العرب رغم امتلاكها لكل مقومات التحضر الجغرافية والمناخية والمادية.
القضية ليست حب وكره، فالإنسان النكرة لا يعني أمره أحدا، ولكن القضية أكبر من ذلك، فمن يعادي مصر يعادي الحياة، في إحدى مسرحيات سوفوكليس يقول رجل لآخر "احذر هذا الرجل فإنه لا يحب الشعر".. لذلك أقول "احذر هذا الرجل فإنه لا يحب مصر".
عاصرت مصر على مر تاريخها تشكيلة متنوعة من الأعداء، ومر بها الكاره، والحاقد، والمعتدي، والطامع، والقاتل، واللص، وزبانية الشيطان، ولكن الأعداء ماتوا وبقيت مصر، بأهراماتها الثلاثة وأبو الهول بالمدلولات التي يمثلها تتحدى الزمن، وتسخر من "طراطيع" الأقزام .
أعداء مصر أكلوا من خيرها ، وتعلموا على أيدي معلميها، وارتدوا من كسائها، ولكنهم ـ كالابن العاق ـ عضوا اليد التي ربت وسهرت وكبرت، ليصدق هنا بيت الشاعر "أعلمه الرماية كل يوم .. فلما اشتد ساعده رماني".
ستظل مصر كما عهدناها دائما شامخة باسقة عزيزة، وسيظل الأعداء يتقافزون على منابر الخوف، وصفحات الصحف، ووسائل الإعلام كمهرجي السيرك الأقزام يحاولون أن يطاولوا الهامات دون جدوى.
سيظل أعداء مصر كما هم على وجوههم الكئيبة غضب الله ، تستعر في قلوبهم نار الحقد والكره والغيرة، يحذرهم الناس، ويتجنبونهم كما يتجنب الناس الأجرب، وستظل الجدة المصرية تقول لمن يريد لابنها شرا "ضربة في قلبك".