الإعلان أحد مكونات المنظومة الإعلامية، وهو يساهم في تشكيل ليس فقط السلوك الشرائي لدى المشاهدين، وإنما أيضا السلوك العام، وهو مثله مثل المدرسة والشارع والعمل ووسائل الإعلام والبيئة، وغيرها من المؤثرات الحياتية التي تساهم في تكوين مخزون المرء الإنساني.. سواء كان هذا المخزون سلبيا أم إيجابيا.. هو محرك خطير للسلوك، ومصدر الخطورة هنا أنه يتسلل إليك دون أن تدري مع الشهيق، يقتحم علاقاتك الاجتماعية، وينفذ مباشرة دون استئذان إلى غرفة نومك.
وفي السنوات الأخيرة أصبح الإعلان مادة درامية بها ما بها من عناصر التشويق والإثارة.. عمل تلفزيوني قصير متكامل يزدحم بالمؤثرات والغناء والموسيقى.. وبذلك أصبح الإعلان أكثر تأثيرا.. وليس أدل على ذلك من أن الكثير من الإعلانات الناجحة دخلت قاموسنا اليومي بتعبيرات طريفة أو مفارقات غريبة أو حتى بلحن موسيقي مميز.
إعلان عن أحد المشروبات الغازية يصور شابا يتقدم ضمن مجموعة من الشباب والفتيات إلى وظيفة وخلال المقابلات الشخصية ، يقفز الشاب فجأة زاعقا ويحطم المكتب، ويضع رأسه داخل إناء لتربية سمك الزينة، فيفزع المتقدمون للوظيفة ويغادرون بسرعة المكان ليهربوا من هذا "المجنون"، فيتبقى فقط هذا الشاب في الانتظار، وعندما يخرج المدير يجد الشاب وحده ويقول "اللي بعده" فيشير إليه الشاب. يخرج بعد ذلك الشاب العابث مشيرا لأصدقائه بعلامة النصر، وقد فاز بالوظيفة، ليشرب معهم "المشروب الغازي المعجزة"، وتظهر بعد ذلك قائمة بالأشياء التي يطمح لتحقيقها الشاب قبل الثلاثين. وقد أنجز أحد أحلامه وهو "الحصول على وظيفة".
إعلان خطير يعلم الغش والكذب والخداع، كيف تحصل على الوظيفة ليس بالعلم والكفاءة والمهارات، ولكن بالتحايل. نفس الفكرة جسدتها إعلانات سابقة لهذه الشركة لموضوعات أخف وطأة منها إعلان عن "الفوز بقلب الحبيبة قبل الثلاثين" ويعتمد على نفس الفكرة المحورية التي تدور حولها "الفكرة الإعلانية الخائبة" وهي "الخداع".
هناك إعلان يثير إعجابك بما يتضمنه من فكرة خلاقة ومضمون واقعي وإبداع في التصوير والأداء.. وهناك إعلان يثير الغثيان بسذاجته وضعف مضمونه، والمشاهد قد يكون من "الكاظمين الغيظ" ويتحمل مضطرا كل ذلك، ولكن ما لا نستطيع تحمله أو قبوله مثل هذه الإعلانات المدمرة التي تقدم السم داخل العسل، وتعلم شبابنا ـ بهذه الجرأة ـ الغش والخداع.