تخدع الفراشات بالضوء المنبعث من المصباح، ولكنها عندما تقترب وتلامس منبهرة الشعاع الجميل.. تحترق. هذه الصورة الدرامية تحدث كثيرا في حياتنا الاجتماعية، فكم من الأشياء التي تخدعنا بأضوائها وذخارفها وجمالها فنقترب منها، ولكن سرعان ما نكتوى بنارها.
المظاهر الخادعة تنتشر وتملأ المكان، والسبب انتشار ثقافة الشكل، وانحسار الجوهر والمضمون. في الماضي كانت الألوان تنحصر بين الأبيض والأسود . أما اليوم انتشرت آلاف الألوان، فاختلط الأمر، وأصبح البحث عن الحقيقة أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش.
في زمن المكياج والشعر المستعار والأوجه المستعارة وعمليات التجميل غابت معاني كثيرة من قاموسنا الاجتماعي كالعفوية والصدق والبراءة والجيرة وكلمة الشرف، واغتصبت بكارة الأشياء، ويتكاثر الخوف.
لا ننكر الدور الذي يمثله الشكل كأحد عناصر التقييم، "فـ "الله جميل يحب الجمال" ولكن الشكل لا يمكن أن يكون هو العنصر الأساسي الذي نقيم به الأشخاص، ونصدر صكوك الانطباعات.
فلنعد إلى البساطة والعفوية والصدق وغيرها من المعاني التي تراجعت، ولنعيد تقييم علاقاتنا الاجتماعية وفقا للمعيار الأساسي الأصيل والميزان الحساس وهو القيمة. ولنتخذ من هذه الآية الجميلة قدوة "وعسي أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسي أن تحبوا شيئا وهو شر لكم".
صدقوني سيختلف الأمر، وسنشعر جميعا ـ مرة أخرى ـ بطعم السعادة اللذيذ الذي افتقدناه بين جبال الملح والمساحيق والأقنعة والعناوين المضيئة.