رغم تقديري للنظرية التي وضعها العلماء الذين اخترعوا جهاز كشف الكذب، وهي رصد التغيرات العضوية والنفسية التي تصيب الشخص في حالة الكذب، كمعدل ضربات القلب وضغط الدم، والتنفس، وتسجيلها في نسب تعطى في النهاية نسبة مئوية تشير إلى كذب الشخص أم صدقه. إلا أنني أشك في فعالية هذا الجهاز الذي يتعامل مع الناس كسواسية في الانفعالات وردود الفعل، وهذا مخالف للواقع.
وهناك أسباب أخرى تجهض فعالية هذا الجهاز، ففي الوقت الذي يتعامل الغرب مع "الكذب" كلفظة واحدة معناها قول غير الحقيقة. لدينا في العالم العربي أنماط مختلفة من الكذب، ففي ثقافتنا الاجتماعية توجد "الكذبة البيضاء"، والتي يرى البعض أنها لا تضر، حيث يمارس من خلالها الكذب بشكل واسع على سبيل التباهي، أو درء الحسد، أو المجاملة، أو عدم الإحراج، ولعل الدليل على ذلك "المدح" وهو غرض شعري انفردنا به عن الثقافات الأخرى.
ورغم أن معظم ممارسات الكذب هذه غير ضارة ، أو كما يقولون "بيضاء" إلا أنها شئنا أم أبينا كذب صريح يتفق مع التعريف العالمي للكذب، وهو قول غير الحقيقة.
أتصور لو نجح العلم في تطوير هذا الجهاز ليصبح صغيرا جدا بحجم زرار القميص، وأصبح شرائه واستخدامه متاحا للجميع، ماذا يحدث..؟ . سيكتشف مستخدمه أن كل من حوله كذابون.. بدءا بعبارات الترحيب والمدح غير الحقيقية التي نتداولها بلا حساب، ومرورا بالألقاب التي يمنحها كل منا للآخر دون سند قانوني أو علمي، وانتهاء بعبارات التشجيع والإطراء التي نسرف في استخدامها على سبيل المجاملة والنفاق الاجتماعي.
جهاز كشف الكذب لا يصلح في العالم العربي، لأن الكذب ـ للأسف الشديد ـ رغم أنه مرفوض أخلاقيا وشرعيا جزء من تركيبتنا وثقافتنا الاجتماعية.