تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



خبر وفاتي | الأمير كمال فرج


كتبت صديقة على صفحتى في "فيس بوك" عبارة "البقاء لله".. وبعد يومين علقت على مقال منشور بذات الصفحة وقالت "لقد علمت بوفاة الأستاذ .. فهل هذا صحيح؟". . وبعد الانتباه اكتشفت أن الصديقة تتحدث عني، وأن المتوفى هو "أنا".

 وبالبحث توصلت إلى أن بعض الصحف نشرت خبر وفاة جدتي، ولكن عنوان الخبر وهو "جدة الأمير كمال فرج في ذمة الله" أوحى بقراءة سريعة للبعض بأني أصبحت في دار الحق.

 ورغم سوء الفهم الذي حدث إلا أن الواقعة رغم  اعتقاد البعض أنها "فأل غير طيب"، وفرت لي "إحساسا فريدا" لا يتوفر إلا لفئة قليلة من البشر، وهي أن يسمع المرء خبر موته، ويعرف ردة فعل الناس، ويفكر للمرة الأولى فيما سيحدث بعد الموت.

 والواقعة رغم ندرتها إلا أنها حدثت عربيا وعالميا، وفيها ينتشر خبر وفاة شخص،، ويقرأ الشخص التعيس بنفسه خبر وفاته في وسائل الإعلام، وبعد فترة يكتشف الناس الحقيقة، وهي أن المتوفي مازال حيا يرزق، وأن قضاء الله لم يحن بعد. ليس ذلك فقط، بل أن الأمر وصل في بعض الأحيان على مرحلة أكثر دراماتيكية، عندما جهز بعض الناس للدفن ، ودفنوا بالفعل في المقابر، وأقيمت سرادقات العزاء لهم، ثم عادت إليهم الحياة، لتتأكد بذلك حكمة من حكم الله، وأن "لكل أجل كتاب".

 الأمر قد يتم نتيجة لخطأ صحفي، أو خطأ طبي، أو بسبب شائعة، وأحيانا تكون "الوفاة والعودة" بقدرة الله، وأتذكر هنا أحد الزملاء الصحفيين الذي تسرع بنشر خبر وفاة فنان كويتي كبير، وأفرد لذلك مساحة كبيرة في الصفحة الأخيرة من الصحيفة، وما أن نشر الخبر المصور حتى قامت الدنيا ولم تقعد، وبسرعة اكتشفنا جميعا أن الفنان الكبير حي يرزق،  وأن المتوفى الحقيقي إنسان آخر، وان الأمر كان تشابها في الأسماء.

 كنت أتمنى أن أستطلع آراء الناس الذين تعرضوا لهذا الموقف، وأسألهم بماذا شعروا عندما قرأوا خبر وفاتهم؟،  وهل هناك تغيير انتابهم  بعد قراءة الخبر؟،  وفيما فكر.. . حتى ظهر خبر وفاتي ليوفر لي جزءا مهما ونادرا من التجربة.

 الإنسان بحاجة إلى لحظة أو لحظات يفكر فيها في الموت، لأن الحياة بإيقاعها المتسارع لا تتيح التوقف، والركض المحموم وراء متع الدنيا لا يتيح التفكير في أمور كثيرة مهمة، ومن بينها الموت،  يفكر الإنسان في الموت في لحظات نادرة وعابرة في حياته، خاصة عند وفاة قريب أو صديق. عندها يفرض الموت نفسه على الذاكرة. ولكن سرعان ما تتحرك عجلة الحياة لتأخذ في تروسها الناس ليواصلوا الركض في طريق لا نعرف متى منتهاه.

 نمشي في جنائز الأحبة، ونواريهم الثري، ونذرف عليهم الدموع الساخنة، ولكن بعد يوم أو يومين ننسى، ويتحول الفقيد الذي كان كل شيء في حياتنا إلى مجرد صورة تذكارية في غرفة الجلوس.

 نتجاهل الموت، ونتناساه، ونتطير عند الحديث عنه، ونقول في عباراتنا الشعبية "فأل الله ولا فالك"، "أنت بتفول في وشي"، "بعد الشر". رغم أن الموت الحقيقة الأساسية في حياتنا، فالناس  ـ كل الناس ـ   يولدون، وبعد عدة سنوات قصرت أم طالت .. يموتون .. وهكذا دواليك، و"لا دائم غير الله".

 هذه الحقيقة شعرت بها بقوة عند زيارتي للقاهرة القديمة، ورأيت المساجد التي تتنوع قبابها والتي تمثل عصورا مختلفة موغلة في القدم، هذه المساجد بناها أناس توفوا منذ مئات السنين. تطلعت إلى قلعة صلاح الدين الأيوبي .. ، وتخيلت كم من الناس مروا على هذه الأرض .. ملايين من الناس مروا من هنا منذ بدء الخليقة .. وكلهم ماتوا ..

 الموت حقيقة أساسية في الحياة، ولكن الإنسان يتناسى دائما هذه الحقيقة. ولاشك أن لذلك حكمة .. فالنسيان نعمة . فلو لم ينسى الناس ذكرياتهم لسيطر عليهم اليأس،  وجلس كل منهم في منزله ينتظر الموت. لقد وضع الله صفة النسيان في المرء لكي يتناسي الذكريات المؤلمة، وبذلك تزيد مساحة الأمل في حياته، والأمل هو الوقود الحقيقي للحياة.

 ولكن رغم النسيان، الإنسان بحاجة إلى تذكر الموت، ليس بنظرة تشاؤمية كما يفعل البعض، ولكن بنظرة حكيمة . تماما كما نتعامل مع حقائق الحياة الأخرى مثل الطقس والمناخ والطبيعة والميلاد والحب.

ليس معنى تذكرة الموت أن نمارس ترهيب الناس وتخويفهم وتصوير أهوال يوم القيامة، أو كما فعلت أحد مدارس الخليج التي قدمت للأطفال مشهدا تمثيليا للجنازة. ليس معنى التذكير بالموت أن نتوقف عن التفكير في الحياة، ونتحول إلى "مجاذيب" لا يفكرون إلا في الموت. وأن نعتزل متع الحياة، ونهجر الوظائف، ونبيع المساويك والكتب الدينية ابتغاء مرضاة الله.

 تذكرة الموت يجب أن تتم كحقيقة من حقائق الحياة، وأن تتم بحكمة ووعي وحسن إدراك لمراحل الحياة، وأن تتم هذه التذكرة بطرق مختلفة تتناسب مع العمر، فالطفل مثلا يجب أن نقدم له معلومة "الموت" بطريقة رمزية خالية من الترهيب، والشاب تقدم له المعلومة بطريقة علمية حتى لا تؤثر عليه وعلى توازنه النفسي. أما الكبار فيجب أن يعرفوا جميع الحقائق، ومن بينها حقيقة الموت.

 لذلك من المفيد أن نتذكر الموت، ونتعايش مع الفكرة بالفهم والمعرفة، ولكي نعرف قيمة الحياة لابد أن نعرف معنى الموت،  هناك عادة شعبية مصرية بدأت في الانقراض، وهي عادة الخروج إلى المقابر كل خميس، زيارة القبور عادة اجتماعية كانت مستمرة . سواء أكانت العائلة فقدت عزيزا أم لا .

 اعتادت الأسر زيارة مقابر موتاهم كل خميس،  وتكليف أحد المقرئين بقراءة جزء من القرآن ترحما على روح الفقيد، ولكن بمرور الزمن تقلصت هذه العادة لتقتصر على الأعياد، لتختفي في النهاية ضمن عدد من العادات طوتها التغيرات الاجتماعية.

 عادات كثيرة كانت تذكرنا بالموت مثل حفلات التأبين والمراثي الشعرية، وصفحات الوفيات بالصحف، معظمها انقرض، لذلك كانت الصدمة التي تنتاب المرء عند فقد قريب أو حبيب.

 "خبر وفاتي" أتاح لي لحظات فريدة من المعرفة ، تصورت فيها ردود فعل الأقارب والأباعد.. الأصدقاء والأعداء، وأتاح لي فرصة جميلة للدعاء وتمنى حسن الخاتمة. ولكن للأسف ستدفعني ـ كما يحدث دائما ـ الأيام، وتأخذني مرة أخرى عجلة الحياة لأواصل الركض في طريق لا نعرف متى منتهاه.
تاريخ الإضافة: 2014-04-16 تعليق: 0 عدد المشاهدات :1335
1      0
التعليقات

إستطلاع

مواقع التواصل الاجتماعي مواقع تجسس تبيع بيانات المستخدمين
 نعم
69%
 لا
20%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات