إذا اتحد المال العربي مع الكفاءة "هنكسر الدنيا"، وهو تعبير عفوي مصري يعنى صناعة المعجزات، وتحقيق إنجازات كبيرة جدا، أكثر مما نتخيل، ولكن الواقع يشير إلى أن المال العربي يتحد مع أشياء عدة كالسلطة والعصبية والفساد والجهل وافتقاد الرؤية، ولكن من النادر أن يتحد مع الكفاءة، لذلك يفشل العرب دائما، رغم أنهم يملكون نصف ثروات الأرض ، سواء أكانت الثروات طبيعية، أو جغرافية، أو مالية.
هناك ميراث تاريخي عربي يمنع زواج الاستثمار العربي بالكفاءات، حيث تساعد التقاليد والعوامل الاجتماعية، وعادات المجتمع العربي التي تحتفي بالمجاملة على الاستعانة بأي أحد عدا الكفء، هناك قيود تربط الاستثمار العربي، وتمنعه من الانطلاق بحرية. هناك جهل عام بقيم الإدارة العالمية. كل ذلك يفشل الاستثمار العربي/ العربي خاصة، والعربي/ العالمي عامة.
مليارديرات العرب الذين يتصدرون كل عام صدارة قائمة أثرياء العالم التي تصدرها مجلة "فوربس" لم يتمكنوا من إحداث نهضات اقتصادية حقيقية لا في بلدانهم، ولا في بلدان العرب. الترليونات النائمة في بنوك الغرب لم تلغي الفقر والجريمة والمشكلات الاجتماعية، .. مليارات القذافي الستين التي أخذها الاتحاد الأوروبي وطار ـ حتى الآن ـ لم تحقق للمواطن الليبي المعيشة الكريمة التي يسعى إليها. مليارات بن علي ومبارك وغيرهما من الحكام المسجلين في القائمة لم تمنع الثورات العربية من النهوض.
المال العربي لا يتحد ويتلاقى إلا هناك في بنوك سويسرا لتجنب الملاحقات القانونية، ودعاوى استرداد الأموال، والعربي يقبل الخسارة وحده، على المكاسب الجماعية، حتى لا يستفيد الآخرون، "الفردية" العربية الشهيرة التي تحكمت طويلا في السياسة والحياة الاجتماعية، تحكمت أيضا في العملية الاقتصادية. لذلك يقل حجم التجارة البينية العربية ليصل إلى مستويات مخجلة.
كثيرا ما تساءلت .. عن سبب تعثر الاستثمار العربي في الدول العربية، ربما يكون السبب الأنظمة العربية التي تدار في كثير من الأحيان بـ "البركة" . في هذا المناخ الخالي من الديمقراطية والعدالة يتم الحكم بأسلوب مزاجي .. كذلك يتم في العمل الاقتصادي. غياب القواعد الاستثمارية يوفر بيئة خصبة للفساد المحلي والعربي بل والعالمي.
الرئيس السوري بشار الأسد هدد الشيخ حمد بن خليفة حاكم قطر بأن قطر ستفقد استثماراتها في سوريا والتي تقدر بستة مليارات ، بسبب موقف قناة "الجزيرة" من الثورة السورية. الاستثمار العربي/ العربي يصطدم أحيانا بالسياسة والعصبية والاختلافات الثقافية، وتكون النتيجة التعثر ، والتحسس، والمواجهات القضائية والإعلامية، ليصل الأمر في النهاية إلى المواقف العدائية بين الطرفين.
على سبيل المثال معظم المشكلات الخاصة بالاستثمار الخارجي في مصر تتعلق بمستثمرين عرب، لم نسمع عن مشكلات تعرض لها مستثمر أجنبي، شركتا "الفطيم" و"داماك" الإماراتيتان الشركتان الوحيدتان اللتان هددتا باللجوء إلى التحكيم الدولي للحصول على تعويضات بسبب الأضرار التي لحقت بهما بسبب "الثورة المصرية"، لم نسمع ذلك من مستثمر أجنبي. معظم قضايا الفساد التي ظهرت بعد الثورة تتعلق بمستثمرين عرب.
ويأخذ الموضوع منحنى خطرا، عندما يكون الاستثمار العربي في بلد عربية مثارا للاعتراضات والتهكمات والتعبيرات العنصرية، حين يطالب بعض العنصريين باقتصار الاستثمار على بلد المستثمر، ويتهمونه بعدم الوطنية عند استثماره في بلد آخر، ويتجاهلون أن تحقق الأرباح هو الهدف الأساسي لأي مستثمر، ولا يوجد مستثمر يستثمر أمواله في سبيل الله.
بعض المستثمرين يلجأون إلى الأساليب الملتوية للحصول على استثمارات ومزايا، وعندما يعملون لا يكون هدفهم الحقيقي الاستثمار الشريف. وعندما نصنف المستثمرين إلى مستثمر شريف وغير شريف يزعلون ويقولون "إنتوا بتشتمونا".
التجارة العربية البينية قليلة جدا ، لا تقارن بالاستثمارات العربية / الأجنبية، والتعاون ينشط بسرعة في مجالات أخرى هايفة كالفن والسياحة والزواج السياحي، ولكن في الاستثمار الحقيقي .. لا .
أكثر حالات النصب العالمية يقع ضحيتها مستثمرون عرب، والصورة الذهنية الظالمة التي يختزنها العالم عن العرب والتي تتلخص في أنهم بدو يملكون "زكائب" الأموال لا يهتمون إلا بالجنس والملذات والموائد الفخمة. مازالت موجودة.
سمعة المستثمر العربي تكون أحيانا محرجة، نتيجة لمواقف تخلو من الحكمة، .. ثري عربي يتبرع بملايين الدولارات لجامعة غربية لكي تنشيء كرسيا باسمه، ثري آخر يهدي زوجة وزير خارجية غربي سيارة فيراري أحدث موديل، بعد أن سرقت سيارتها، وثري رابع يتبرع بملايين الدولارات لـ "فقراء" أمريكا.
وفي بعض الأحيان يأخذ الأمر شكلا فضائحيا ، ومن آخر فضائح الأثرياء العرب قيام أحدهم بدفع 30 ألف دولار في مزاد "خيري" مقابل قطعة ملابس داخلية لنجمة التنس الروسية المعتزلة آنا كورنيكوفا.
لا نرفض إسهام العرب في العمل الخيري العالمي، ولكن في كثير من الأحيان تأخذ هذه التبرعات أسلوبا عبيطا، حيث يتحول فيه التبرع أو الهدية إلى أسلوب للاستعراض، وترقى أحيانا إلى مرتبة الرشوة السياسية الفجة المدفوعة مقابل هدف معين.
بالطبع النماذج السيئة ليست القاعدة، فهناك استثمارات عربية ناجحة، ومستثمرون شرفاء، يذهبون بمشاريعهم إلى أقصى البلدان، ويعمرون البلاد، ويساهمون في النهضة الاقتصادية ، وفي الوقت نفسه يستفيدون ويحققون الأرباح، ولكنها إذا قورنوا بعدد الدول العربية الإثنين والعشرين، وحجم الاستثمار العربي المهاجر إلى أرض العجم. سنكتشف أن هناك خلل.
هناك دول تملك الثروة البشرية، وأخرى تملك المال، وثالثة تملك الإمكانيات الطبيعية، لذلك فإن التكامل الاقتصادي العربي / العربي ، والعربي / العالمي خيار استراتيجي.
آمل أن نفتح ملف الاستثمارات العربية / العربية، ونبحث معا المشكلات المعمقة به، وإعادة صياغة قواعد الاستثمار البيني بين الدول العربية لتكون أكثر شفافية وعدلا وفائدة، وإذا فشلنا في إيجاد أرضية قانونية ووطنية تحقق هذا الهدف، فالأفضل وقف هذه الاستثمارات، ويقول كل طرف للآخر "صباح الخير ياجاري .. أنت في حالك وأنا في حالي".