يتحدث البعض عن الموهوبين وكأنهم مخلوقات آتية من الفضاء، يشبهونهم بالتشبيه التقليدي الممل وهو الغرس الذي يزرع وتجلس بجانبه واضعا الخد على اليد حتى ينمو، يتهامسون حوله كمن يتهامسون حول "سر"، أو اكتشاف بترولي يحتاج إلى بحث وتنقيب، يحمل كل منهم عدسة مكبرة، ويحنى ظهره إلى الأرض باحثا عن "موهبة"، وإذا نظر هؤلاء حولهم لاكتشفوا أن الموهوبين موجودين في كل مكان.
المشكلة الحقيقية تكمن في عدم وجود ثقافة اجتماعية للتعامل مع الموهوب، على العكس هناك للأسف موروث اجتماعي ضاغط طارد للكفاءات والمبدعين. ميراث اجتماعي يقر بحقيقة مؤلمة وهي "زامر الحي لا يطرب".
هذه هي الحقيقة التي نحاول أن نتجاهلها، نضع رؤوسنا في الرمال كالنعام، نرتدي أقنعة الناس الطيبين الذين يرحبون بالموهوب. بينما نتمنى ـ كالذئب ـ أن نأكل لحمه وعظمه.
كم من المواهب الحقيقية التي لم تجد الفرصة التي راحت لأصحاب الوسائط المتعددة، وكم من نابه جوبهت أفكاره بالسخرية والاستهزاء في محيط من الجهلاء، وكم من مخترع تعب من اللف والدوران على جهات مختلفة تتبنى اختراعه. فلم يجد إلا الوعود، وكم من كفء ساقه النظام الإداري البيروقراطي للعمل في وظيفة لا تتفق مع مؤهلاته، وكم من مجتهد يحرص على أداء عمله بدأب وأمانة فيواجه كلاعب الرجبي بفريق من البغال يريدون إعاقته عن إحراز الهدف، وكم من مبدع غطى عليه غبار الأدعياء الذين يعرفون جيدا من أين تؤكل الكتف.
الأمر يحتاج إلى جهد هائل من العمل لتغيير نظرتنا إلى الموهوب، وطريقتنا في التعامل معه، وأن نعي جيدا أن الموهوب قنديل يضيء دروب المستقبل المعتمة، وأن نرفع حق الموهوب في الحصول على الدعم والرعاية من العمل التطوعي الاختياري ليكون حقا من حقوق الإنسان.