تلقيت دعوة لحضور مؤتمر دولي في روما في الفترة من 26 ـ 29 نوفمبر ، وعندما تقدمنا بطلب التأشيرة للقنصلية الإيطالية من 15 يوما وبعد انتظار، أبلغتني القنصلية اليوم أن التأشيرة ستصدر يوم 30 نوفمبر .
لا أدرى على من أضع المسؤولية، ليس في تأخري عن حضور مؤتمر، ولكن عن تأخر الملايين من الناس الذين يواجهون نفس المشكلة كل يوم، وتتعطل مصالحهم وأعمالهم بسبب بيروقراطية تأشيرات الدخول.
قصص كثيرة أسمعها من أصدقاء، ونقرأ عنها في الصحف تدور كلها حول العقبات التي تضعها بعض الدول في سبيل الحصول على تأشيرات دخول، ليس فقط لفئة السياح أو الزائرين، بل لفئات أخرى مثل المبتعثين الذين يتأخرون عن الانتظام في جامعاتهم، بل وتضيع عليهم أحيانا سنوات كاملة بسبب ظاهرة اسمها "تأخر التأشيرة"، بل أن بعضهم يبقى في بلد الاغتراب سنوات طويلة ـ كالمهاجر غير الشرعي ـ خوفا من زيارته لبلده فيظل عالقا بين رحى تجديد التأشيرة، إضافة إلى العائلات التي تتقطع بها السبل على الحدود ، فتتضرر اجتماعيا وأسريا بسبب تأخر أو عدم صدور تأشيرات الدخول.
بالطبع نتفهم الهواجس التي تنتاب الدول خاصة بعد أحداث سبتمبر 2001، وتفاقم ظاهرة الإرهاب العالمي، ونقر بحق كل دولة في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية أمنها، كما نقر نفس الحق لبلادنا في اتخاذ نفس الإجراءات، ولكن هذه الإجراءات يجب أن لا تتعارض مع حرية التنقل والسفر التي نصت عليها المواثيق الدولية ومن بينها نظام حقوق الإنسان.
تتضمن الاتفاقية التي وقعت عليها الدول الأوروبية والمسماة "شنجن" العديد من البنود ، ورغم أن الاتفاقية في ظاهرة العام تتضمن إيجابيات عديدة أهمها أن الحصول على تأشيرة دخول إحدى الدول الأوروبية يعنى تصريحا بالدخول لكافة دول الاتحاد الأوروبي، ولكن المشكلة الحقيقية أن الوقت اللازم لصدور تأشيرة دخول هو 15 يوما، وهي مدة طويلة.
ولا أدري ماذا يحدث في هذين الأسبوعين ..؟، وما هي الإجراءات الأمنية التي ينتم اتخاذها للتثبت من سلامة الموقف الأمني لطالب التأشيرة؟، هل يتم التنسيق بين أجهزة المخابرات الموجودة في دول الاتحاد الـ 26 لمعرفة الموقف الأمني لطالب التأشيرة، أم ترى يتم إرسال وحدة من جامعي المعلومات لبلد طالب التأشيرة، يجمعون حول منزله المعلومات من البقال وكشك السجائر وأصدقائه في العمل، ويصدرون تقريرا نهائيا بصلاحية منحه التأشيرة أم وضعه في "البلاك لست"؟. أعتقد أن الإجراءات الأمنية مهما تعقدت وكثرت لن تستغرق هذه الفترة الطويلة التي تتعطل بها مصالح الناس.
في إحدى السنوات وردتني دعوة لحضور مؤتمر في باريس، وكانت الدعوة قد وصلت ـ كعادة الدعوات الصحفية ـ متأخرة، وذلك قبل المناسبة بأربعة أيام، وبعد حوار مع المسؤولين في القنصلية، وتأكيدهم أن التأشيرة تستلزم 15 يوم عمل، وأنها لا تصدر من البلد المتلقي لطلب التأشيرة، ولكنها تصدر من وزارة الخارجية في باريس، ونظرا لأهمية المؤتمر، ولكوننا إعلاميين تدخلت المسؤولة الإعلامية في القنصلية الفرنسية، ولعبت دورا في حل المشكلة، وأبرقوا لوزارة الخارجية الفرنسية بالتماس لمنحنا تأشيرةإستثنائية، وقبيل السفر بساعات معدودة صدرت التأشيرات، وتمكنت من حضور المؤتمر في اللحظة الأخيرة.
واقعة أخرى مررت بها عندما تلقيت دعوة شبيهة لحضور مؤتمر في فيينا، وكان الوقت ضيقا ، وكان شرط الـ 15 يوما عائقا أيضا على استخراج التأشيرة بسرعة، وبعد مخاطبات مع السفير النمساوي، ونظرا لطبيعة عملي الصحفي، وفي اللحظة الأخيرة قررت القنصلية منحي تأشيرة دخول إلى النمسا فقط، ولكن يبدو أن التأشيرة الفردية أثارت شك موظفة الجوازات البدينة في مطار فيينا، فحولتني إلى مكتب مجاور، وعندما سألت الموظفة بالمكتب عن سبب ذلك أخبرتني بإنجليزية غريبة "ربما يكون السبب أن التأشيرة غير صحيحة"، فقلت في نفسي "يانهار أسود". ولكني بسرعة فكرت ووقفت في طابور أمام موظف جوازات آخر، وعندما وصلت إليه نظر في جواز سفري وابتسم وهو يختم الجواز قائلا "Welcome" .
وتتمادى بعض الدول في تصعيب عمليات الحصول على تأشيرات دخول وبعضها يطلب أحيانا طلبات غريبة، مثل شرط إحضار تذكرة السفر، وكأن هذا المسافر سيسافر على حمار، وشرط آخر بوجود بطاقات إئتمانية، أو تأمين صحي، وأحيانا طلب حجز الفندق، وكأن المسافر سيقيم في حديقة عامة، وتتمادى بعض الدول لدرجة أنها تشترط الحصول على تأشيرة مسبقة لأعضاء الهيئات الدبلوماسية.
قصص السفر كثيرة، والمواقف الغريبة والطريفة التي تحدث عند الدخول كثيرة، ورغم طرافة كل المواقف التي مررت بها، هناك الكثيرون كانت مواقفهم عصيبة ومؤلمة، فهناك قصص كثيرة عن تعبيرات عنصرية يتلفظ بها موظفو الجوازات أو القائمين بالتفتيش، وهناك إجراءات تعتبر في بعض الأحيان مهينة، وتتركز هذه الإجراءات على بلدان معينة، ويحظى العرب بنصيب الأسد منها، حيث تكون السحنة العربية مبررة أحيانا للشك والتدقيق، بعض الدول تنظر إلى العربي أو المسلم كمشروع إرهابي أو قنبلة زمنية مالم يثبت العكس.
الإجراءات الأمنية التي تتخذها بعض الدول قبل منح التأشيرات، وأيضا عند الدخول إجراءات قد تكون مبررة، ولكنها عندما تتعارض مع مصالح الناس وكرامتهم وحقوقهم الأساسية فإن هذه الإجراءات تتحول في لحظة إلى جريمة.
لن تأخذني العصبية فأطالب بمبدأ المعاملة بالمثل، لأنني بذلك سأكون كمن يرد الشتيمة بشتيمة، أو يرد الإهانة بإهانة أخرى كما يفعل الأطفال، ولكن سأطالب بقرار دولي ـ كالقرارات العقوبات الاقتصادية ـ بوقف نظام التأشيرات المسبقة، ومنح التأشيرة لطالبيها في المطارات كما تفعل العديد من الدول العربية، كما أطالب بوضع "سهولة أو صعوبة الحصول على تأشيرات" كمعيار في سجلات الدول الخاصة بحقوق الإنسان.
المنع والتدقيق وتغليظ الإجراءات أساليب أمنية قديمة لا تصلح في العالم الجديد الذي أصبحت فيه الحروب تتم بالكراهية والإنترنت وفيروسات الكمبيوتر، .. العالم يقترب ويتحد، وهو الآن أكثر قربا من قبل، وبدلا من أن نسهل إجراءات السفر ، ونطور الأساليب الأمنية لتصبح أساليب غير منظورة تتم في ثوان، يصر البعض على الوقوف ضد الزمن، ووضع الحواجز والمتاريس، ولا يحصدون من وراء ذلك إلا حنق الشعوب.