أعترض على السلم الوظيفي المتبع في العالم العربي، الذي اهتم بالمظهر ولم يهتم بالجوهر، وعامل الموظفين بمنطق التعامل مع الدواب، شخص واحد يمكن بعصاه أن يتحكم في القطيع، فالناظر للهرم الوظيفي سيكتشف به العديد من الثقوب، وسيدرك أن هذا النظام بما يكتنفه من غموض تأسس على القاعدة الخطأ.
اعتمد السلم الوظيفي على نفس نظام البناء الهرمي الطبقي الغريب، حيث تعامل مع الناس كوحدات جامدة، كقطع الحجر التي تستخدم في بناء الهرم الحقيقي. قطعة حجر بجانب أخرى، ثم تأتي قطعة أخرى لتعلو القطعتين، وتأتي قطعة ثالثة لتعلو القطعة الأعلى، وهكذا يتم بناء الهرم.
الهرم الوظيفي يتعامل مع الناس بنفس منطق البناء، ويعتبرهم أحجارا، يجب وضعها بهذا الشكل التراتبي الظالم ليتم في النهاية إتمام البناء. لا يهم إن كان البناء غير مطابق للمواصفات، وأنه معرض للانهيار في أي لحظة، لا يهم إن كان شيد على الظلم والدكتاتورية وعلى كتف الطبقة الموظفة الكادحة.
المتأمل في الهرم الوظيفي سيكتشف الخلل الرهيب، الذي لم ينتبه إليه علماء الإدارة ومنظرو المهارات البشرية، لأن القاعدة العريضة التي يؤسس عليها البناء والتي تعتبر الأساس تقع في المرتبة الأدنى، وتتلقى أقل الرواتب، وبالمثل فإن القمة المدللة التي لا تحتاج إلى جهد ـ في عملية البناء ـ هي المرتبة الأعلى، والتي تحصل على أعلى الرواتب. وهدا وضع خاطيء، فمن المنطقي أن تكون القاعدة العريضة التي تتحمل البناء هى الأعلى مرتبة والأعلى رواتب، والعكس صحيح. أي أن القاعدة وهم الموظفون يجب أن يتلقوا أعلى الرواتب ، والإدارة تتلقي أقل الرواتب.
الموظفون هم الأهم وهم الذين يصنعون الإنتاج والنجاح، والدليل على ذلك أن المدير في أي مصنع يمكن تغييره، ولا يتأثر العمل، أما العمال فلو تركوا المصنع بشكل جماعي سيتوقف العمل، ويغلق المصنع أبوابه بالضبة والمفتاح.
مخترع السلم الوظيفي ليس عالما أو نابها، ولكنه مجرد طالب فاشل، وضع أسوأ نظام بشري، نظام يقنن الفشل، ويقتل المهارات، ويحول الإنسان إلى آلة، تماما كماكينات تصنيع الجوارب، تنتج ألف زوج من الجوارب في الساعة ، بمواصفات محددة ومقاسات محددة.
في السلم الوظيفي لا يحصل الموظف على درجة أو ترقية أو علاوة إلا بعد مرور أعوام معينة، حيث يرتبط ذلك دائما بالسن أو سنوات الخدمة أو الأقدمية، كالقطاعات العسكرية التي تتعامل بالرتب، تلقي التحية لشخص قد يكون أقل منك فهما وعقلا وإبداعا لمجرد أنه يحمل الرتبة الأعلى.
السلم الوظيفي العربي التقليدي نظام غير أخلاقي يتنافى مع قيم العدالة والانسانية والضمير، وكم من مبدعين ظلمهم النظام الإداري الظالم فظلوا طوال عمرهم في الأرشيف، وفي المقابل كم من الفاشلين وضعهم في الوظائف القيادية، يتعامل مع الموظفين كتروس متوالية كل منها له وظيفة في العمل، وأغفل عناصر النجاح الحقيقية، وهي القدرات الخاصة، والمواهب، وقيم الخلق والإبداع.
ووفقا للازدواجية العربية الشهيرة، فإننا نشدد على أهمية العنصر البشري والكفاءات، ونختار الأضعف والأقل مهارة، نتبع القانون بالإعلان عن الوظيفة في الجريدة الرسمية، ونختار في السر أصحاب الوسائط المتعددة، .. نؤكد على معايير الجودة، ونتغاضي عند التسليم عن عيوب التصنيع، وجرائم الفساد، .. ، نطالب بالعمل بروح الفريق الواحد، وفي الوقت نفسه، نحمل في جيوبنا السكاكين.
وفي إطار هذه الأزدواجية أيضا وحرصا منا على تجميل القبح ، وأن يتم كل شيء بشياكة، اخترعنا الدورات التدريبية، وإدارات تنمية المهارات البشرية، وتطوير القدرات، التي لم تكن سوى ديكور نحسن به الصورة القاتمة. وبزنس جديد نحصل عن طريقه على المزيد من الأرباح.
السلم الوظيفي يحتفي بالشهادات والسير الذاتية والدوام الرسمي وقواعد الحضور والانصراف، والشؤون الوظيفية، ولكنه يهمل العقل الإنساني القادر على الإبداع والتفوق. حتى عندما أقر مزايا للمجتهد كالعلاوات ، جعلها علاوات دورية تصرف في أوقات معينة لفئات معينة.
أحلم بإلغاء الهرم الوظيفي الغبي الذي يحتفي بالزمن واللصوص والأقارب والأباعد وأصحاب الحظوة والدم الخفيف، وأن أصنع هرما وظيفيا جديدا تكون قاعدته الأعلى مكانة، وقمته الأدنى مكانة، ويكون الموظفون فيه سواسية، يصطفون جنبا إلى جنب، لا فرق فيه بين الموظف والمدير والرئيس والغفير، قاعدة وظيفية لا يركب فيها موظف على آخر، ولكن من يتفوق بتقدم خطوة للأمام ..
أحلم بمخطط وظيفي يقلب الهرم، ويصحح الصورة السائدة، لا يبدأ برئيس مجلس الإدارة الذي يتفرع منه النواب والعضو المنتدب والوكلاء والمستشارون، ليكون الموظف في آخر الصف، ولكن المخطط الجديد يبدأ بالموظفين ويتفرع عكسيا ليكون رئيس مجلس الإدارة في آخر الصف، .. نظام وظيفي يعلي من قيمة الإنسان، ويكون معياره الوحيد هو التفوق.