تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



تاريخ صلاحية | الأمير كمال فرج


لكل منتج تاريخ صلاحية، يمكن للمستهلك استخدامه قبل انتهاءه، وفي حالة انتهاء هذا التاريخ، تصبح السلعة غير صحية، وتلزم الأجهزة الرقابية الشركات بوضع تاريخ صلاحية على كل منتج قد يكون سنة أو سنتين أو ثلاثة.

 الأفكار أيضا لها تاريخ صلاحية، ويتفاوت هذا التاريخ من كتابة إلى أخرى، بعض الأفكار تاريخ صلاحيتها قصير جدا، بل أن بعضها ليس له تاريخ صلاحية أصلا، تفسد بمجرد الكتابة،  بينما توجد كتابات عمرها طويل جدا، قد يمتد إلى أجيال وقرون، وهناك أفكار لا تفسد أبدا، بعض الكتاب يضيف ـ كما يفعل منتجو الأغذية ـ  مواد حافظة لجعل أفكارهم تعيش فترة أطول، ولكنها  تفقد بذلك ـ كما يحدث في الغذاء ـ نكهتها الحقيقية . الأفكار العظيمة تلك التي تعيش، وتظل دائما متوهجة، صالحة لكل زمان ومكان، تنبض وتتحرك في كل عصر،  وتؤثر، وتتفاعل، يقرأها قاريء اليوم والقاريء بعد  200 عاما ويقول.. الله.

 كتابات كثيرة جميلة، ولكن عمرها قصير، تلفظ أنفاسها بعد يوم أو يومين، ويصبح تداولها بعد ذلك خطرا يصيب بالتسمم، وإن لم يصل الأمر إلى التسمم، ستصبح كتابات لا قيمة لها كالدواء الوهمي الذي يعطيه الباحثون للعينة التي تجري دراستها، يعتقد المريض وهما بجدواه، ولكنه في الحقيقة لا يستفيد منه شيئا.

 هناك ثلاث جوانب قد تحدد تاريخ صلاحية أي كلمة، الأول زمني، وفيه يلعب الزمن دورا في تحديد صلاحيتها، على سبيل المثال إذا كتب الكاتب عن واقعة محددة، كواقعة تسرب امتحانات الثانوية العامة، أو واقعة تزوير في الانتخابات . المادة هنا سوف ترتبط بالواقعة المحددة، وبالزمن الذي كتبت فيه. ولن يحق لها أن تعيش أكثر من ذلك.

 الجانب الثاني هو الجانب الإبداعي للفكرة، فقد يحدد الأسلوب الأدبي للكتابة عمرها الافتراضي، على سبيل المثال كانت الكتابات في الأربعينات والخمسينات حافلة بالصنعة مليئة بالسجع، حتى الأخبار الصحفية كانت تعانى من هذا الأسلوب الذي كان مقبولا في عصر ماضي، ولكنه لم يعد مقبولا في عصر جديد. هناك فنون أدبية قديمة مثلا كانت مقروءة في عصور معينة كالمقامة والموشحات، ولكن من الصعب أن تقرأ الآن.

 الجانب الثالث وهو الأهم وهو العنصر الأخلاقي في الفكرة، فقد تقدم الكلمة معنى  قد يكون مقبولا في عصر، ولكنه في عصر آخر لا يكون مقبولا، فقد يكتب كاتب عن البغاء الذي كان مباحا ومقننا في عصور معينة، ولكن ما كتبه لا يصلح في عصور لاحقة يحرم فيها البغاء، كذلك الأمر بالنسبة للخمر التي كانت مباحة في العصر الجاهلي، وكان الشعراء يتغزلون بها شعرا، ولكن عندما ظهر الإسلام حرم شرب الخمر، بذلك انتهت صلاحية المواد الأدبية التي تتغزل في الخمر.

 نفس الأمر ينطبق على الكثير من الكتابات والكثير من الأحكام القضائية والفقهية .. فالكلمة أيا كان تصنيفها قد يتغير مدلولها من عصر إلى آخر. فعلى سبيل المثال مدح الخمر في العصر الجاهلي كان محمودا، وكان وسيلة للتفكه. ولكن في العصر الحالي سيكون هذا الفعل فعلا غير أخلاقي يرفضه المجتمع.

 ولكن المشكلة الحقيقية في التعامل مع أفكار منتهية الصلاحية، ومحاولة تطبيقها على الواقع، وهنا مصدر الخطر. العديد من الشباب الذي ضل عن الطريق، وسقط في فخ الإرهاب، وحمل السلاح ضد المجتمع، وقتل الأبرياء، ودمر الممتلكات استند في قناعاته على كتابات ومراجع قديمة منتهية الصلاحية.

 لم يعلم هؤلاء أنهم أكلوا وجبات منتهية الصلاحية، قد تكون صالحة في عصرها، ولكنها بمرور الزمن فقدت صلاحيتها، وأصبحت وجبة مسمومة قد تؤدي إلى الهلاك.

 العديد من النصوص والفتاوى التي كانت مرتبطة بموقف أو زمن، أو مخصصة لفئة معينة يأخذها شباب اليوم،  ويعتقدون بها، ويطبقونها على المجتمع، فيخدعون أنفسهم أولا، ويخدعون الناس.

 من هذه الفتاوى فتوى إرضاع الكبير، التي صدرت في واقعة محددة، وهي واقعة سالم مولى أبو حذيفة،  والتي نفهم منها أنه إذا احتاج أهل بيت ما إلى رجل أجنبي يدخل عليهم بشكل متكرر وأصبح دخوله يسبب لهم إحراجا لأن في البيت نساء،  فإن للزوجة حق إرضاعه، ورغم خصوصية الفتوى، وتقيدها بحالة وعصر معينين، ووجود ضوابط لها، فإن البعض أخرجها من بطون الكتب، وحاول تطبيقها على المجتمع المعاصر، فأضحك الدنيا على المسلمين الذين يبيحون أن يرضع الموظف من ثدي زميلته في العمل، حتى يكون محرما عليها، وبذلك يكون خلوته بها شرعية.

 الفتوى نفسها ـ مع عظم قدرها ـ قد تتغير من عصر لأخر، ومن ظرف إلى آخر، على سبيل المثال ، رفع الخليفة عمر بن الخطاب حد السرقة في عام الرمادة.. حتى الفتوى العامة يمكن أن تتغير وفقا لظروف المجتمع، قد لا تفقد جوهرها وموضوعها الأصلي، ولكن مدلولها قد يتغير من عصر إلى آخر. كما أن الاجتهاد الديني المشروع قد يعمل على أخذ الفتوى على وجوه أخرى لم تكن موجودة في زمن صدور الفتوى.

 هل يمكن أن نضع على الكتابات "تاريخ صلاحية"، لنحمي المجتمع من الأفكار التي انتهت صلاحيتها، فأصبحت غير صالحة للاستخدام الآدمي؟،  هل يمكن أن نضع لكل مؤلف عمر افتراضي حتى لو كان خمس أو عشر أو حتى عشرين سنة،  لنتجنب التورط في تعاطي أفكار قديمة لا تصلح لهذا الزمن، فيسبب ذلك أعراضا تشبه أعراض التسمم الغذائي الناتج عن تناول أغذية منتهية الصلاحية؟.

 الأمر طبعا صعب، كما أننا سنقع عندها في إشكالية كبيرة لن تحل،  وهي من يحدد تاريخ الصلاحية؟، فضلا عن ذلك فإننا لو فرض أن نجحنا في وضع تاريخ الصلاحية على كل مؤلف، كيف نتجنب عدم وعي المستهلك الذي لا يلتفت كثيرا لتاريخ الصلاحية عند الشراء؟. أو جشع التاجر الذي يزور تاريخ الصلاحية لكي لا تبور سلعته.؟.

 لا حل سوى التوعية، توعية الناس بأن لكل كلمة وكل فكرة تاريخ صلاحية، وأن الكلمة التي كانت مدحا في عصر، قد تكون ذما في عصر آخر.. والكلمة التي تحيي الناس في عصر، قد تقتلهم في عصر آخر، .. مطلوب توعية شاملة بتاريخ صلاحية الكلمة ، لنتجنب جميعا ظاهرة اسمها التسمم الفكري.

تاريخ الإضافة: 2014-04-17 تعليق: 0 عدد المشاهدات :1195
0      0
التعليقات

إستطلاع

مواقع التواصل الاجتماعي مواقع تجسس تبيع بيانات المستخدمين
 نعم
69%
 لا
20%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات