النوم ليس راحة للجسد فقط، وإنما راحة للروح أيضا، فالروح تحتاج هي الأخرى إلى السكون والراحة، فالإنسان يتكون من جسد وروح، وكما يحتاج الجسد للغذاء والدواء، تحتاج النفس إلى الدعم والتطبيب.
وهناك حكم وضعها الخالق في النوم، بعضها معلوم، والبعض الآخر من الغيبيات، ولكن المعنى العام الذي يصلنا ـ بشيء من التبسيط ـ هو أن بالنوم ليلا يستريح الجسد، ويستعيد عافيته ليتمكن من العمل مرة أخرى مع نهار يوم جديد.
والنوم جزء من العمر، لا يزيده أو ينقص عليه، يقول شاعر الشباب أحمد رامي في "رباعيات الخيام".. "وما أطال النوم عمرا ولا / قصر في الأعمار طول السهر"، ولكن المشكلة أن النوم اليوم أصبح عزيز المنال . كثيرا ما يستعصى على المرء، فيطير من العيون، ويظل الواحد منا ساهرا مبحلقا في الفراغ. قلقا كالعصفور الذي تطارده بندقية الصياد.
النوم نعمة لا تتمتع بها إلا القلة، والسبب طبيعة الحياة القلقة المشحونة دائما بالتوتر، والقلق والأرق والاكتئاب حزمة لأشهر أمراض العصر، وقد بالغ الشاعر في أغنية لأم كلثوم وشبه أرق النوم بالتقلب على الجمر، "أتقلب على جمر النار"، حتى إذا جاء النوم وداعب أخيرا جفوننا، يكون نوما متقطعا، وبعد أن كان المرء في الماضي ينام كـ "القتيل".. يشخر ويصفر ويطلق ألحانا مختلفة، كما يفعل إسماعيل ياسين في أفلام الأبيض والأسود. أصبح نومه خفيفا متقلبا، يغمض عينيا ويفتح أخرى كالثعلب، أو يغلق عينيه ظاهريا، ولكن ماكينة عقله تعمل دون توقف.
والنوم لا يتناسب طرديا مع الغنى وعلو الشأن، ففي كثير من الأحيان نجد فقراء يستمتعون بالنوم، بينما أغنياء يتحرقون شوقا لقيلولة، فالنوم يرتبط ارتباطا وثيقا براحة البال والضمير، بغض النظر عن الجنس أو الوضع الاجتماعي أو الوظيفة.
إذا ارتاح الضمير سمت النفس وارتاحت الروح ، وتمكن الإنسان من الشخير والنوم العميق، وعلى رأي يقول المتنبي الذي يقول "أنام ملء جفوني عن شواردها / ويسهر الخلق جراها ويختصم".