منذ 100 عام هل كان الأجداد يتصورون أن يوما ما سيأتي، ويباع فيه الماء في قوارير بلاستيكية؟ ، إذا قلت لأحد حينئذ هذا الكلام لاتهمك بالجنون، الماء الذي كان يضرب به المثل في انعدام القيمة والشيوع، والذي اعتاد الناس على وجوده ، يحصلون عليه بسهولة و "ببلاش" من النهر أو الترعة أو "الطرمبة" أو "البئر" أو "الحنفية . يعتادون هدره بالرش أمام البيوت والمحال وغسيل السيارات والصحون، والإساءة إليه بتلويث منابعه بشتى القاذورات.
ولكن ها هو الزمن دار، وعاصرنا الزمن الذي يباع فيه الماء في قوارير، وبسرعة تعاظمت صناعة تعبئة المياه لتصبح صورة استهلاكية جديدة تدمنها العديد من الأسر.
هل تعلمنا الدرس؟، هل تعلمنا أن نحافظ على مواردنا الطبيعية كالماء والهواء والطبيعة والبيئة التي خلقها الله جميلة مبدعة؟، الإجابة .. لا، فمازال التدمير مستمرا، ونسب التلوث ترتفع لتنذر بكوارث مقبلة.
والغريب هذا التجاهل الذي نتعامل به مع الأرقام المخيفة التي تعلنها الأمم المتحدة عن التلوث البيئي والاحتباس الحراري، والمخاطر المحدقة التي يحذر منها الاختصاصيون بسبب تفاقم مشكلة التلوث وعوادم السيارات وأنياب الأجهزة الكهربائية التي تزيد اتساع ثقب الأوزون، وتزيد من سخونة الأرض.
التلوث وحش أسطوري يبث ألسنة النار فيحرق الحقول، ويحطم الممتلكات، ويدمر مستقبل الإنسان على الأرض، وإذا تجاهلنا ذلك، بعد 100 عام أخرى، سيندر الهواء النقي، وتنمو حينئذ صناعة متوحشة جديدة هي تعبئة الهواء، ويباع الهواء النظيف في قوارير معبأة مزودة بكمامة للشم، وتظهر في الأسواق غرف تشبه غرف الساونا، توفر الهواء النقي المعبأ بالأكسجين كالتي استخدمها مايكل جاكسون خوفا على بشرته، ويرتدى الناس بذلات تشبه بذلة رجل الفضاء تحميهم من التلوث، وتحصد الأجيال الجديدة الخراب.