منذ فترة طويلة و"الأمم المتحدة" تستفزني، كلما ذكر اسمها يرتفع الضغط، وتنتابني حالة من الضيق والانزعاج، وأشعر بحجم الظلم الذي يحمله المواطن العربي، وهو الظلم الذي يصل إلى حد "المهانة"، فأتذكر قول الشاعر "أخي جاوز الظالمون المدى"، وكما يقول التعبير العامي " لا تنزل لي ـ هذه المنظمة ـ من زور"، والأسباب كثيرة.
السبب الأساسي هو فشل هذا التجمع العالمي رغم مرور السنوات العديدة على نشأته في معظم مهامها، وتحولها مع مرور السنوات إلى نشاط شكلي روتيني، تماما كالدور الذي تلعبه جمعيات التوعية من خطر التدخين، لا عمل لها سوى التوعية. والنفخ في القرب المقطوعة.
ليس ذلك فقط، فلم تقتصر جناية الأمم المتحدة على الفشل الذريع في القضاء على الحروب وحل النزاعات وفرض السلام العالمي، وهي مهامها الأساسية، ولكنها في بعض الأحيان تحولت إلى أداة لتكريس الاحتلال والبطش والظلم والاستعمار، فالتاريخ يشهد أن المنظمة الدولية في مواقف متعددة تم اختطافها وفرض المواقف عليها، وفي بعض الأحيان تم تجاهلها والعمل باسمها، كما حدث في الغزو الأمريكي للعراق الذي كان بمثابة لي ذراع للأمم المتحدة، وصفعات على قفا منظماتها الدولية.
تحولت المنظمة الدولية في كثير من الأحيان إلى جثة تتكلم، عرائس خشبية يحركها اللاعبون. عامل مصعد لاوظيفة له سوى تلبية أوامر الركاب.
المتابع العادي لمواقف الأمم المتحدة وبعيدا عن التخصص سيكتشف العديد من المواقف للمنظمة والهيئات المنبثقة عنها والتي تكرس الاحتلال والفوقية والظلم والاستعمار، فقد ظلت المنظمات التابعة للمنظمة الدولية تتجاهل عدوان اسرائيل واحتلالها للأراضي العربية وتكرس بالمواقف المائعة سياسات الظلم والاستعمار وجرائم الحرب التي تنتهجها اسرائيل، علنا أمام العالم دون حياء أو حرج، ولعل الموقف المتواطيء المتخاذل والمتحالف الذي تتخذه هذه المنظمة من ترسانة الأسلحة النووية الاسرائيلية دليل واضح وجلي على هذا الانحياز والتهاون.
عانى المواطن العربي على مدى الخمسين عاما الماضية من مئات القرارات الظالمة والجائرة التي أعلنتها الأمم المتحدة بخصوص القضية الفلسطينية كمثال، والتي تأخذ في معظمها جانب الجاني وتعادي الضحية، بعض هذه القرارات كان صريحا في غيه وانحيازه وعدوانه، والبعض الآخر كان يتلحف بالحياد، ليشجب بطريقة الهمس ماتفعله اسرائيل، وإذا تأملنا القرار المحايد سنكتشف أنه بخبثه ودهائه ماهو إلا خنجر جديد في ظهر الضحية.
فقدت الأمم المتحدة منذ زمن بعيد حيادها الطبيعي، وتمكنت دول كبرى من اختراقها وسيطرت عليها أجهزة مخابرات عالمية، ووصلت الأمر إلى حد التجسس على أمينها العام ورصد زلاته وزلات أبنائه، كما حدث مع الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان، كما خضعت المنظمة في مواقف أخرى للابتزاز السياسي عندما هددت أمريكا أكثر من مرة بعدم سداد مخصصاتها المالية لمنع ترشيح رئيس معين للمنظمة.
مواقف عديدة ومذابح واعتداءات حدثت في العالم ، أمام أعين المنظمة الدولية، ورغم تواجدها لم تتحرك، كما حدث في البوسنة والهرسك، ولم تبادر المنظمة الدولية بحماية المدنيين العزل من القتل والتشريد.. أنه الحَكَم الضعيف الذي يستهين الجميع بشخصيته الضعيفة، ويقومون أمامه وعلى مرأى منه بجميع المذابح.
ومن المخزي حقا أن يمارس الشرطي الدور الحقير عندما تظهر ما يسميها الاعلام العالمي "تجاوزات" من جنود تابعين للمنظمة الدولية ، وصلت أحيانا إلى الاغتصاب والقتل. هذه الجرائم التي تمر دون توقف، رغم ماتمثله من خطر، خاصة وأنها تصدر ممن اؤتمنوا على حياة الشعوب.
لاننكر أن هناك دور للمنظمة في المجالات الإغاثية والتفاوضية والثقافية ، ولكنه كان دائما الدور الضعيف الهزيل الذي لا يتناسب مع الأهداف العظيمة التي وضعت لهذه المنظمة الدولية، ولا مع المخصصات والأمكانيات الكبرى التي تدفع لها كل عام.
آن الآوان لإعادة النظر في هذه المنظمة الدولية، وآن الأوان للانسان البسيط الذي يدفع من قوته نفقات المنظمة الدولية أن يعرف كل شيء عن المنظمة وكيفية تسييرها، وأساب إخفاقاتها المتعددة.
آن الأوان للبحث عن نظام عالمي جديد يتلافى أخطاء هذه التجربة، وإنشاء منظمة عالمية جديدة تعبر عن إرادة جميع الشعوب بعرقياتها المختلفة، نظام عالمي غير قابل للانحياز أو الاختطاف أو الابتزاز السياسي، أو المصاهرة، أو الضرب على القفا، نظام قادر على تحرير الشعوب المقهورة كالشعب الفلسطيني، وإعادة المهجرين إلى أوطانهم، ومحاربة الفقر وتوفير التعليم والصحة للشعوب المتخلفة اجتماعيا واقتصاديا، والتصدي للأخطار العديدة التي تهدد كوكب الأرض كتغيرات المناخ والاحتباس الحراري، نظام يتمثل فيه الشعوب على أساس عدد السكان، فلايعقل أن تمثل دولة عدد سكانها 500 مليون بصوت، وتمثل دولة أخرى عددها 100 ألف مواطن بصوت أيضا.
نظام قوى قادر على فرض السلام العالمي بدلا من استجدائه، يتصدى للمعتدي ويزجره ويواجهه بدلا من مهادنته والتحالف معه والبحث عن مخرج له.