الحياة حلوة، رغم عذابها، وتعبها ووجعها .. رغم المرض والموت والفقر والظلم والحرمان .. والركض اليومي الدامي وراء لقمة العيش، حتى لحظات التعب التي يمر بها الإنسان عندما تمر، وينظر إليها من الخارج كجزء من ذكرياته وتاريخه سيجدها، ـ ياللغرابة ـ لحظات حلوة .
اللحظة وحدة زمنية مهمة، لها قيمة كبرى سواء أكانت حلوة أو مرة لسبب بسيط، وهو أنها جزء من كنز العمر، أغلى ما يملكه الإنسان، واللحظة التي تمر لا تعود، وإذا قدرت اللحظة بالأموال ستقدر بالملايين، ولو سئل المرء إذا عاش حياته مرة أخرى ماذا يريد أن يكون، سيؤكد أنه يريدها كما هي بحلوها ومرها.
هناك أشياء لا تباع أو تشترى، ولا تكال بموازين البشر، كالحب والحزن والشوق والتأمل والفرح والحنين والمفاجأة، وكلها أشياء لا غنى للمرء عنها، والإنسان الذكي هو من يعيش المشاعر بكل جوارحه، ويستمتع بالتجربة الإنسانية، حتى لو كانت ركضا خلف الباص أو وقوفا في طابور خبز..
الحزن ملح الأرض، وبدونه لا يكون للحياة طعم، فلا تنظر للأشياء من الخارج، لا تلمس وجهك، تحسس قلبك ومشاعرك. حول الحزن المقيم إلى تاريخ، والألم إلى طاقة، والفقد إلى حكمة، والفقر إلى قناعة، وتقدم كالهنود الحمر لتمشي على الجمر دون كلام.
السعادة نسبية والتعاسة نسبية، والشيء لا يستقيم أو يعرف إلا بمعرفة نقيضه، فالشمس ليس له قيمة إلا لمن عرف الظلام، وطعم الغذاء الشهي لا يمكن أن تقدره إلا إذا عرفت معنى الجوع، وإحساس الراحة لا يمكن أن تعرفه إلا إذا عرفت ما هو التعب، والنجاح لا يمكن تعرف طعمه إلا إذا جربت مذاق الفشل. والمعاناة وجه آخر لعملة السعادة، صدقني .. الحياة بأحزانها وأفراحها .. حلوة.
ولكن الكثيرين لا يعرفون هذه المعادلة الصعبة، يتشاءمون من كسر الزجاج، والقطة السوداء، يرتدون دائما النظارة السوداء، وينتظرون دائما المصيبة قبل وقوعها، ينطبق عليهم المثل "الذي يخاف من العفريت يطلع له"، ويفقدون بذلك جمال اللحظة، ومتعة الحياة، عيونهم لا ترصد اللحظات الجميلة، ترصد فقط الهم والغم والحزن والفجيعة، لا يدركون أن الحياة كالنحل الذي يلدغ ، وفي الوقت نفسه يفرز العسل.
وهذا يفسر كيف يمتلك الكثيرون كل مقومات السعادة، ولكنهم تعساء، وفي المقابل يسعد آخرون لا يملكون من حطام الحياة شيئا، أنظر إلى الدول التي حققت معدلات عالية في الرفاهية، ستجد أنها أكثر الدول التي تضم التعساء ومدمني المخدرات والأطفال غير الشرعيين، وأعلى الدول في معدلات الانتحار. لماذا يحدث ذلك رغم أن من الطبيعي أن تحقق الرفاهية المجتمع المثالي الذي نطمح إليه؟.
الرفاهية المطلقة تستعبد حواسك الخمسة، تحولك إلى مستهلك لا يستمتع بشيء، تغذي جسدك، وتأكل من روحك، الرفاهية الجميلة تكون أحيانا مدمرة، تخفي تحت قفازها الناعم مخالب جارحة، ألم تشاهد نموذج الرجل الثري الذي نشأ أبنائه على الرفاهية، وأن تكون كل طلباتهم مجابة، فنشأ أحدهم فاسدا، لاهيا عابثا ، مدمنا للمخدرات.
الرفاهية إذا لم تدعم بالوعي والمسؤولية والعمل والجهد ستتحول إلى خنجر، وردة صناعية خالية من العطر. دمية جميلة غير قابلة للحياة. ستتحول إلى مخدر ينزع عنك إرادة الحياة.
كثيرون يصدمون عند حلول المصائب والمتاعب، يسقطون كورقة الشجر من أول حزن، فقد تعاملوا في البداية مع الحياة كملاهي الأطفال لا تحتوى إلا على اللعب والترفيه، لم يعرفوا أن الحياة مزيج من الخير والشر، السعادة والتعاسة، الفقر والغنى، الراحة والتعب.
السعادة قدر والتعاسة قدر، والحزن لن يعيد العزيز الذي مات، ولن يرجع المال الذي فقد، ولن يلغي المرض من الجسد العليل، واليأس لن يعيد الحبيبة التي تزوجت وأنجبت دستة عيال، لو عرفنا فلسفة الحزن لكنا أكثر قدرة على مواجهة الصعاب، ووقفنا صامدين أمام العاصفة.
الحياة حلوة، ولكن يجب أن تكتشف حلاوتها بنفسك، اقتل الخوف داخلك، فإذا ضاق بك العيش في مكان ابحث عن آخر، وإذا اكتشفت أن عملك لا يناسب قدراتك، قدم استقالتك بشجاعة، وابحث عن عمل جديد، وإذا أغلق أمامك باب تحرك ستجد حتما العديد من الأبواب، وإذا فشلت مرة، لا تبتئس فالنجاح سيكون حليفك في المرة المقبلة.
الحياة مليئة بالأسئلة، والناس من بدء الخليقة يحاولون الإجابة عنها، فلا تضيع عمرك في البحث عن إجابات. عش لحظتك كما هي حلوة كانت أو مرة، واستنشق الهواء ملء رئتيك، وابتسم للحياة.