لا أحبذ تصنيف المهن إلى مهن شريفة وأخرى وضيعة، فمادمنا اصطلحنا على كونها "مهنة" فلا بد أن تكون مشروعة، أما الممارسات التي تتنافى مع ذلك، فيمكن أن نبحث لها عن تسمية أخرى، حتى لا نشوه مدلول المهنة اللغوي والاجتماعي.
ولكن ما يحتاج إلى تحديد فعلا هي المهن غير المفيدة في المجتمع، وهي مهن لا لون لها ولا رائحة، وجودها كعدمها، فالعمل في الأساس وجد لإعالة المرء وخدمة الناس وإعمار الأرض، فلا يمكن القول بأن تدخين السجائر مهنة. المهنة فعل إيجابي يؤدي إلى منفعة ما للناس، ويتلقى مؤديها الأجر.
ولكن المدقق سيكتشف أن في المجتمع مهنا كثيرة لا قيمة لها، وجودها مثل عدمها، والقيمة هنا لا نعني بها القيمة المادية أو الاجتماعية، ولكن المقصود القيمة التي تؤديها للآخرين.
الطبال والبودي جارد واللبيس والبلياتشو والدوبلير والريجيسير والمنولوجست وعامل المصعد والراقصة ومنادي السيارات والفتوة، والفتيات اللائي يتم استئجارهن ليصفقن في البرامج التوك شو، وحاجب المحكمة الذي لا وظيفة له سوى الهتاف "محكمة" مهن لا تفيد أحدا، لو قررنا إلغائها، لا ضغينة وفقا للأفلام الأجنبية، ولن يتأثر المجتمع.
ومن المهن التي تستفزني شخصيا منهة "المستشار" التي أصبحت موضة في السنوات الأخيرة. لدرجة أن رواتب المستشارين في بعض المؤسسات يوازي رواتب الموظفين أجمعين، وهى مهن لم يكن لها وجود إذا حرك كل قيادي عقله وفكر بنفسه دون كسل واتكالية.
أتذكر مهنة عجيبة كانت موجودة في مصر سابقا جسدها فريد شوقي في فيلم "السقا مات"، وهي شخصية رجل يتم تأجيره لكي يرتدي بذلة فاخرة، ويمشي في الجنازات للإيحاء بأن المرحوم كان من علية القوم، ومجموعة الشباب الذين يرتدون القمصان وربطات العنق ويحملون طبلا يرقصون خلف أحد المطربين.
أتذكر أيضا الفنان الوقور أشيب الشعر الذي كان يجلس في فرقة شخصية غنائية شهيرة، وهو يحمل رقا صغيرا، يهز الرق من حين لآخر، وأقول في نفسي "أكل العيش صعب".
في حياتنا الاجتماعية أشخاص يذهبون إلى مقار العمل صباحا ويعودون بعد الظهر ويقبضون الرواتب، ولكنك إذا دققت فيما يؤدونه ستكتشف أنهم لا يفعلون شيئا.
لا تكن "خيال الظل" الذي يضعه الفلاحون في الحقول، لإخافة الطيور وإبعادها عن المزارع، فالمهنة التي تمتهنها يجب أن تكون مفيدة، لا يهم إن كانت المهنة إدارة مصنع أو بيع العرقسوس، ، المهم أن تشعر بأن مهنتك تفيد الناس.