الحروف تشعر وتتحرك وتتنفس، وتعبر عن الحالة النفسية، الحروف يمكن أن تكون فنا رائعا يرتقي بك، ويمنحك هالة من الضوء والسحر والخيال المجنح، ويمكن أن تصفعك على وجهك، وتمنحك حالة من الصقيع.
والخط العربي فن من أرقى الفنون بالعالم، وهو من النفائس الفنية التي قدمها العرب على مر تاريخهم، وعلى مر التاريخ قدم الخطاطون العرب والمسلمون الكثير من ابداعات الخط العربي، فكان هذا الخط تعبيرا عن الثقافة العربية والاسلامية بمفرداتها الثرية المبهرة.
وقد زين العرب قصورهم وأوانيهم وأدواتهم ومساجدهم بنماذج رائعة من الخط العربي ، ومازالت هذه الخطوط موجودة على ما تركوه من آثار اسلامية وعربية منتشرة في كافة بقاع العالم.
والخط العربي يختزن الفن والعظمة والكبرياء، عندما تطالعه تشعر أن الحالة العامة التي يجسدها هو حالة الكبرياء، في جميع أنواع الخط العربي هناك دائما الاستطالة والتباهي والتيه الذي يمنح الحرف مكانة وقوة وجمال وثقة وكبرياء.
وقد عكس الخط العربي جمال اللغة العربية التي كانت على مر الزمن الوعاء الثقافي الذي جسد تاريخ العرب وحضارتهم وثقافتهم وشعرهم وأدبهم واسهامهم الحضاري.
اللغة العربية جميلة والخط العربي واحد من أرقى الفنون العالمية ، ولكننا نفشل دائما في تسويق أنفسنا وفنوننا، بل أننا نهمل هذه الفنون اهمالا جسيما وندمرها ونجهل قيمتها الحقيقية مثال : في محطات القطار المصرية المتعددة كانت هناك لوحات جميلة مكتوب عليها اسم البلد بالخط النسخ الرائع، ولكن للأسف "في بعض المحطات" استبدلوا هذا اللافتات الرائعة الجميلة بلوحات صفيح مكتوب عليها اسم البلد ببنط الكمبيوتر .. !!
وبعد تراجع الكتابة باليد مع تطور التقنية، وشيوع الكتابة على الكمبيوتر ، أصبحت الكثير من المظاهر الانسانية والفنية مهددة بالزوال، فبعد أن كان الانسان يستخدم يده في الكتابة، وما يمثله ذلك من أداء جسدي وتعبيري وتفاعل وحميمية ، أصبح الناس يكتبون على الكيبورد. ولذلك لاشك تأثيرات جوهرية بعضها ظهر بالفعل على المدى القريب، والبعض الآخر سيظهر على المدى البعيد.
التأثير السريع ظهر في تراجع استخدام اليد في الكتابة ، والاقبال على استخدام التقنية كالكمبيوتر واجهزة الاتصالات، والتواصل برسائل القصيرة والشات، ولاشك أن لذلك تأثيرات اقتصادية تتمثل في قلة استخدام الأقلام والأوراق ومظاريف البريد، أما الآثار بعيدة المدى ستظهر لاشك على المدى البعيد، لأن الغاء وظيفة أساسية من مهام اليد الانسانية سيكون له تأثيراته النفسية والاجتماعية والجسدية.
الكتابة باليد باستخدام القلم والأوراق له فوائد، حيث يتم من خلالها استخدام عضلات اليد المختلفة، اضافة الى المشاركة الوجدانية والذهنية التي تحققها الكتابة الشخصية، وأبعاد أخرى يوفرها استخدام الورق والأقلام. حيث توفر هذه الوسائل مساحة أكبر للتخيل والابداع في الرسالة بإضافة رسوم شخصية ، كما كان العاشق يفعل عندما يرسل رسالة لحبيبته ، حيث كان يرفقها برسوم تعبيرة تجسد مشاعره، وتكون غالبا في شكل قلوب وخطوط وكلمات مأثورة.
ومع ظهور الكمبيوتر تراجع استخدام الخطوط العربية، وأصبح الجميع يستعينون بالخطوط الكمبيوتر المختلفة، فتغير الصورة العامة من الأشكال الحية النابضة التي توفرها الخطوط العربية ، إلى الأشكال الجامدة التي تفرضها أبناط الكمبيوتر .
لافتات المحال، وعناوين الكتب، أسماء المحطات، والبحوث الجامعية، والمخالفات المرورية، واستمارات التعيين، والوثائق المختلفة، وتطبيقال الجوال، والفيديو جيم، وغيرها جميعها اكتست بخطوط الكمبيوتر الجافة الخالية من الحياة.
وإذا كان لكل إنجاز بطل، فإن انجاز الخط العربي بطله هو الخطاط" الذي يبدع هذا الفن، ولدينا في العالم العربي الآلاف من الخطاطين المبدعين الذين مازالوا يتمسكون بهذا الفن، ويبدعون كل يوم لوحات جديدة للخط العربي، "أبوطير" "خضير البورسعيدي" "صبري شعبان"، والمرحوم الغزي" أسماء تتصدر الذاكرة بأعمالها الخطية الرائعة. وعلينا دعم الخطاطين العرب الذين يعتبرون ثروة فنية، والعمل على الاستفادة من خبراتهم لتعليم أجيال جديدة.
أتمنى أن ننظم حملة قومية للحفاظ على الخط العربي من الانقراض، تتضمن التوسع في انشاء مدارس تحسين الخطوط، وأكاديميات للخط العربي، التي تعني بالعمل على اثرائه وتطوير فنونه، ودعم البحوث لدراسة التأثيرات الإيجابية للخط العربي، حيث يمكن استخدام الخطوط العربية في العلاج النفسي، وتطوير الروح المعنوية لدى الإنسان، فإذا كان للألوان والديكور والفنون بصفة عامة أدوار في العلاج النفسي أشارت إليها الدراسات، فإن الخط العربي بما يقدمه من ابداع وجماليات وألوان ومعاني وقيم يمكن أن يساهم في العلاج النفسي.
وهناك واجب عام علينا جميعا للحفاظ على الخط العربي، من خلال اقتناء لوحات رائعة نزين بها المكاتب والمنازل والمدارس والهيئات الحكومية والخاصة، والمصانع والميادين ومحطات المترو .. ولافتات الشوارع والمحلات ، لأن الخط العربي يضفي على الشوارع سمتها العربية الجميلة والأصيلة.