أبها : الأمير كمال فرج .
قالت المذيعة اللبنانية مي شدياق الحاصلة على جائرة حرية الصحافة لعام 2006 إن الاغتيالات التي تعرض لها إعلاميون لبنانيون لن تقتل الحرية، فرغم أن الأخطار والتهديدات في لبنان أصبحت في المرحلة الأخيرة خبزا يوميا، فإن هناك العديد من الإعلاميين ما زالوا يمارسون مهنتهم بشجاعة، رغم وجود بعض ضعيفي النفوس الذين يرتهنون للإرادة الخارجية، مشيرة إلى أن الحرية تحتاج إلى تضحيات كبيرة.
ووصفت شدياق اللحظات الصعبة عندما تعرضت لمحاولة الاغتيال بوضع كمية من المتفجرات والمواد الحارقة أسفل مقعد سيارتها، ذلك الحادث الإرهابي الذي هز الوسط السياسي العربي واللبناني، والذي نتج عنه فقدها لأجزاء من جسدها وحروق شديدة.
مي في هذا الحوار تتحدث عن فكرها الآن، وهل غير الحادث من قناعاتها، واستشرافها لمستقبل الإعلام العربي في ظل محاولات الاغتيال المتوالية.
* بعد الحادث الإرهابي الذي تعرّضت له، هل تغيرت قناعاتك، وهل تسلل الخوف داخلك ولو مرة؟
ـ من يؤمن بالله لا يخاف، وأنا أؤمن أن مشيئة الله هي التي أبقتني على قيد الحياة، التجارب تواجهنا دائماً عندما نمارس عملنا الصحفي، والأخطار والتهديدات في لبنان أصبحت في المرحلة الأخيرة، من خبزنا اليومي، لكن لا يسعنا أن نتوقف عندها، لأننا بذلك لن نستطيع إكمال رسالتنا ومهنتنا الإعلامية.
* كيف واجهت اللحظات الصعبة بعد إفاقتك، وكيف تغلبت على الحالة النفسية؟
ـ لم يكن سهلا ً أن أكتشف أنني فقدت جسدي، لكنني كنت أمام خيارين: إما الاستسلام، وإما المواجهة، فاخترت التطلّع بإيجابية إلى المستقبل، وأشكر الله على أنه حافظ على وجهي، لكي أستطيع يوما ً ما أن أعود إلى عملي الإعلامي من خلال شاشة التلفزيون.
* بالنظر إلى محاولات الاغتيال التي تعرّض لها صحفيون وإعلاميون لبنانيون، كيف ترين وتفلسفين هذه الحرب، وبرأيك الغلبة ستكون لمن؟
ـ لبنان بلد الحرية، وحتى إن كانت التضحيات كبيرة، فلا شيء يمكنه أن يحرم اللبناني هذه النعمة، لأنها متأصلة في جذورنا، التضحيات وإن كانت كثيرة لم تطفئ شعلة الحرية عند العديد من الإعلاميين الذين ما زالوا يمارسون مهنتهم بشجاعة، لكن لا يخلو الأمر دائماً من بعض ضعيفي النفوس الذين يرتهنون للإرادة الخارجية، أو الذين يخافون من التهديدات، ويفضلون الابتعاد عن المخاطر، وعندها لا تعود المهنة مهنة.
* صفي لنا الثواني الأولى من الحادث، أول ما ورد في بالك، ما كمية المتفجرات التي وضعت؟
ـ عندما شعرت بالانفجار في سيارتي لم أدر، لأول وهلة، حقيقة ما يحصل، لكن سرعان ما تذكرت ما تعرض له كلّ من جورج حاوي وسمير قصير، فقد كنت على شاشة التلفزيون عند وقوع حادثة جورج حاوي، وكنت أغطيّ وقائع مراسم دفن سمير قصير، فقد سبق وعشت هذه اللحظات من خلال أحبّاء، وها أنا أشعر بها تحصل معي، شعرت بالنار وبالحريق والرذاذ الأسود، فقدت وعيي بعض لحظات، ثم استعدت الوعي محاولة الخروج من السيارة، أما كمية المتفجرات فكانت نصف كجم من المواد المتفّجرة والـ C4 الحارق. وإلى الآن لم أشف من الحريق لأن كمية المواد الحارقة كانت كبيرة.
* ما أخبار التحقيقات الجارية حول الحادث الذي تعرضت له؟
ـ على المستوى المحلّي لم يتقدّم التحقيق، أما على صعيد لجنة التحقيق الدولية، فقد توصلت إلى بعض الخيوط لأن القاضي سيرج برامتس، أكدّ وجود رابط أفقي وعامودي بين عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري والانفجارات والعمليات الأخرى، القاتل واحد، المقرر واحد وربما اختلف المنفذون.
* ما انطباعك عن لبنان في هذه المرحلة، وما آفاق المستقبل الذي ترينه؟
ـ لبنان أمام مرحلة جدّ خطيرة، مع التحولات الإقليمية لبنان هو من يدفع الثمن دائما، شبعنا من يدفع تصفيات الحسابات بين دول الخارج، نأمل أن ننتهي من هذه الحقبة ونرى لبنان، سيداً، حرّا، مستقلاً، شبعنا حروباً، ونريد كل اللبنانيين متساويين، نريد لبنان مزدهراً اقتصادياً، وأن يعود اللبنانيون واثقين من أن وطنهم لن تعبث به يدّ قررت أن تغامر بهم من دون أن تستشيرهم.
* هل تعلمين بالحدس والإحساس الداخلي من الذي دبّر لاغتيالك؟
ـ لم يعد الأمر يخفى على أحد، المقرر معروف، المنفذ هو أحد عملائه في الداخل. كل شيء يدل على أن لسوريا يدا في كلّ ما جرى، لكن نحن بانتظار انجلاء نتائج التحقيق.
* هل تلقيت تهديدا معينا قبل الحادث، وهل كنت تتوقعين أن يحدث ما حدث؟
ـ سبق وتلقيت تهديدات بشكل غير مباشر، أحد الضباط قال قبل 14 فبراير إنه سيشرب من دمي، اعتبرت أن التهديد في إطار الترهيب، ولم أتخيل أن الإجرام سيطال امرأة، لم نعتد استهداف امرأة خاصة إعلامية، أنا كنت فقط صحفية، لكن مع محاولة اغتيالي، أرادوا إفهام الجميع أن لا أحد معصوم.
* ظلم البعض الإعلامية اللبنانية طويلا، واتهموها بالاعتماد على الشكل دون الجوهر، كيف تردين على ذلك؟
ـ إذا كانت الفتاة اللبنانية جميلة، فهذا لا يعني أنها ليست على المستوى المطلوب، أكثر من 75 % من طلاب الإعلام في الجامعات هنّ فتيات، وربما يكون هذا الاتهام بدافع الغيرة، كل واحدة من الإعلاميات ناجحة في إطار عملها، في المعترك الفني أو السياسي.
* ما جذور ثقافتك الإعلامية؟ وما دوافع اتجاهك للسياسة؟
ـ درست الإعلام وتخرّجت من كلية الإعلام، نلت إجازة في الصحافة، بعدها دبلوم الصحافة اللبنانية، وما زلت أعمل على الدكتوراة، التعاطي مع الخبر يجب أن يصقل بالعلم، كما هي حال كل مجالات العمل، حيث يجب أن نعمل على تطوير الذات، ونسقيها لكي تتغذّى، من لا يتابع في مجال الإعلام، يبقى في الخلف وتصبح متابعته للمواضيع تفتقر للثقة.
* ما البرنامج الذي تقدمينه حاليا، وماذا تودين أن تقولي من خلاله؟
ـ "بكل جرأة" هو البرنامج الذي أقدمه حاليا، ومنذ 25 سبتمبر. العنوان ينطبق عليّ وعلى المضمون، والهدف منه أن يتكلّم معي الضيف بكل جرأة، من خلاله أتابع مهنتي الإعلامية، التي من خلالها أريد أن أثبت أنني لن أكون مختلفة عن حياتي المهنية سابقا ً، أنا أتعاطى مع مهنتي بكل مهنية وموضوعية، وآرائي أعبّر عنها في مكان آخر.
* أين تكمن أزمة الإعلام العربي، وما السبب في فشله في تحقيق التأثير العالمي المطلوب؟
ـ حقق الإعلام العربي أشواطا ً، لكن الإعلام يتطلب أموالا ً طائلة لكي يتم تظهيره وتفعيله، لذلك أشهر محطتين عبر الأقمار الاصطناعية واللتان تصلان إلى مختلف العالم هما : محطة العربية، ومحطة الجزيرة، أصحاب رؤوس المال الكبار لم ينتبهوا إلى أن الإعلام يستحق كل الاهتمام باستثناء الأمير الوليد بن طلال، كما بات معروفا أن الإعلام السياسي لا يدّر الأموال، إنما الإعلام الفني هو مصدر للأموال.
نشر في "الوطن"