(حادي بادي ، كرنب زبادي، سيدي محمد البغدادي شاله كله ، حطه على دي) هكذا كنا نغني صغاراً عندما نود الاختيار بين شيئين ، وكنا نلعب ونضع أيدينا الصغيرة على أيدي بعض ونقول (كلوا بامية، القطة العامية ، سرقت قميصي ، الإنجليزي) ثم نفتح أيدينا فجأة إما مبسوطة أو مقلوبة ، وصاحب اليد المختلفة عن المجموعة يكون خاسراً.. وهكذا.
وعند سقوط المطر كنا نركض أطفالاً في الشوارع ونصرخ ونغني (رخيها.. رخيها.. خلي الوز يعوم فيها)، وفي شهر رمضان المبارك كنا نحمل الفوانيس الملونة ونغني (وحوي يا وحوي الياحه، وكمان وحوي الياحه)، هكذا كانت أغاني الطفولة وألعابها أغاني فطرية وألعاباً بسيطة تنطق بالبراءة والعفوية .
وكانت أمهاتنا يهدهدننا حتى ننام فيقلن (نام يا حبيبي نام / وأنا أجيب لك جوز حمام)، وحتى نكف عن البكاء لخروج الأم كانوا يغنون لنا (ماما زمانها جايه/ جايه بعد شوية/ جايبه لعب وحاجات / جايه معاها شنطة / فيها وزه وبطه/ بيقولوا واك واك واك)، وعندما تنخلع سن من الأسنان اللبنية كان المعتقد أنه لن تنمو سن أخرى إلا إذا أخذت السن المكسورة وغنى صاحبها (يا شمس يا شموسه ، خدي سنة العروسة ، وهاتي بدالها سنة جديدة) ثم ترمي السن المكسورة في الشمس ..! وعندما يتعلم الطفل المشي يغنون له (تاتا خطي العتبة / تاتا خطوة خطوة).
ومن المداعبات الطريفة التي تداعب بها الأم طفلها تمسك بيده وتعد عليها إصبعاً إصبعاً فتقول (أدي البيضة ، وأدي اللي سلقها ، وأدي اللي شواها ، وأدي اللي أكلها، وأدي .. ثم تدغدغهُ في جنبه فيموت من الضحك)، ومن الأغاني ذات الطابع التوجيهي (قول الصدق تخش الجنة والكذاب هيروح النار)، (ويا فاطر رمضان ، يا خاسر دينك، كلبتنا السودا، هتقطع مصارينك).
وكنا عندما نود أن نتخاصم يقبض كل طفل يدهُ ما عدا الخنصر ويصافح به خنصر زميله، وعندما نود المصالحة يقبض كل طفل يده ويفرد فقد إصبعي السبابة والوسطى ويصافح بهما وسطى وسبابة زميله، ثم يقبل كل طفل إصبعيه ويضرب بهما على جبهته ، ولا دري من أين جاءت هذه الطقوس الغريبة ..!
وكنا نلعب ألعاباً كثيرة أشهرها (الاستغماية) وفيها نغطي عيني أحد الأطفال بقماشة سميكة ، ونختفي نحن ويحاول هو البحث عنا والإمساك بأحدنا ، وكنا أيضاً نلعب (السيجة) وفيها نخط عدة مربعات على الأرض ويضع كل لاعب ثلاث حصيات في جانبه، ويبدأ اللعب بتحريك كل طرف حصاة تجاه الآخر بقاعدة معينة، وكانت البنات يلعبن (الدستة) وفيها يعملن خطوطاً أفقية على الأرض ويحضرن بلاطة صغيرة وتقوم الطفلة بدفعها بجانب رجلها دفعات متوالية لتجتاز البلاطة الخط تلو الآخر ، واجتياز الخطوط بنجاح يعد فوزاً ، ومن تتعثر طوبتها وتقف على أحد الخطوط تكون خاسرة وهكذا ..
وكانت البنات يصفقن ويضربن بأيديهن في أيدي بعضهن ويغنين (لاعبيني والاعبك/ وأكسر صوابعك/ صوابعك لولي لولي/ زي الشعر المحلولي/ ماما جابتلي إيشارب حرير/ نيمتني ع السرير/ والسرير طوح طوح/ ما يخليش حد يروح)، وفي مولد النبي كانوا يشترون للولد حصان حلاوة وللبنت عروسة حلاوة ، وفي النهاية تتكسر العروسة والحصان ويأكلها الأطفال.
وكانت صناعة الطائرات الورقية وتطييرها من الألعاب الجميلة التي تستحوذ على اهتمامنا ، وكانت صناعتها تأخذ منا الوقت والاهتمام فكانت تصنع من البوص وورق السلوفان الملون والنشاء والغزل المتين وكان للطائرة الورقية جلاجل زاهية نتبارى في صناعتها وابتكارها، وكنا نطلق الطائرة من على أسطح المنازل أو في المساحات الفضاء، وأتعس اللحظات كانت عندما تعلق الطائرة الورقية في أسلاك الكهرباء أو تسقط على منزل بعيد أو تشتبك مع طائرة أخرى، وكانت بعض الطائرات تباع جاهزة يمر بها البائع على عربة خشبية مليئة بالطائرات الملونة ومعه مزمور له صوت مميز .
وبالإضافة إلى البمب والصواريخ كان يوجد ما يسمى (بالحبش)، وهو عبارة عن شريط ورقي يحتوي على كتل صغيرة من البارود ، يركب في نوع معين من المسدسات ، ويفرقع بمجرد ضغط الزناد .
وكان (للأراجوز) فرحة خاصة وكنا نسارع فور قدومه للفرجة عليه ونجلس مشدودين ونحن نرى الأراجوز يتشاجر مع زميله، ويحادث زوجته بصوته المميز، ونضحك من قلوبنا وهو يضرب زميله بالعصا التي يمسكها بين يديه .
ومن الألعاب التي كنا نسعد بالفرجة عليها (الحاوي) الذي كان ياتي كل فترة للحي ونلتف حوله في حلقة دائرية لنشاهد ألعابه السحرية .
ومن الأدوات التي كنا نلعب صغاراً بها (النحلة) وهي عبارة عن قطعة خشبية مخروطية لها سن مدبب نلف عليها الخيط بطريقة متتالية ونمسك بطرف الخيط وندفها على الأرض فتدور على السن المدبب فترة طويلة ، ولا ادري ما سبب تسميتها بالنحلة. ربما لأنها تدور رغم عدم منطقية هذا التبرير ، واذكر أننا كنا نشتري هذه النحلات من سيدة عجوز تفطن في منزل قديم وسط المدينة .
وكما نرى أن معظم الألعاب والأدوات مستمدة من البيئة نفسها، ففي الريف مثلاً كانت هناك أداة طريفة مستمدة من البيئة مصنوعة من جريد النخل ومشقوقة إلى ثلاثة أجزاء إذا ما اصطدمت بالكف تحدث فرقعة عالية ، وفي المدينة كنا نجمع أغطية زجاجات المياه المعدنية ونثقبها بالمسامير ونجمعها بحبل مطاط لنصنع منها عجلتين صغيرتين تركبان على بركتين من بكرات الخيط الفارغة ثم نثبتهما على عصا بواسطة سلك فتمشي العجلات على الأرض بدفعها للأمام .
ومن الهوايات القديمة التي كنا نمارسها هواية (تربية دودة القز) حيث نشتري دود القز في علب صغيرة، ونطعم الدود بأوراق الشجر حتى تأتي دورته التالية، فينسج الخيوط حول نفسه متحولاً إلى شرنقة، ونظل تتابع الشرنقة أياماً وأياماً حتى تخرج منها الفراشة.
وتعتبر (الكرة) أشهر الألعاب الشعبية التي مارسها الجميع في طفولتهم ، ومنها الكرة "الشراب"، واسمها يرجع إلى أن الجوارب تستخدم في صنعها، وهناك نوع أفضل وهي الكرة الجُلة، وهي تصنع من البالون والخيط ومادة الجُلة، وأفضلها على الإطلاق الكرة "الكفر" الحديثة .
أما (النبلة) فكانت حكايتها حكاية، وهي بالتأكد مشتقة من النبال التي كانت تستخدم في الحروب، والنبلة في عالم الطفولة كانت تصنع من السلك المتين والرامية بها عبارة عن جلدة صغيرة نمسك لها الحصى ، هذه الجلدة متصلة بطرفي النبلة بجلد مطاط وتُرمي القذيفة بشد الجلد والتصويب، وتركها فجأة، فتندفع القذيفة إلى مسافات بعيدة، وكنا نصطاد بها العصافير، ونصيب بها بعضنا البعض أيضاً.
وكان للقراءة أهمية خاصة فكنا نقرأ ميكي، سمير ، تان تان ، الوطواط ، جيمس بوند ، روبين هود، والغاز تختخ ولوزة ونوسه وعاطف ، والشياطين الـ13 ، وغير ذلك كنا نمارس ألعاباً عديدة منها (السبع طوبات) ، (صلح) ، (ثبت) ، (البلي) ، (صندوق الدنيا) ، (الطوق)، (تربية الحمام)، (المدنيل) ، (المحداف) ، (بايو) ، (الربابة اليدوية)، (البمب والصواريخ) ، (صيد السمك)، (عروستي) وكنا نعزف على الدرامز والبنات يعزفن على (الإكسليفون) ، و (الأوكورديون).. وكل لعبة من هذه الألعاب لها حكاية .
أتذكر هذا كله وأنظر إلى أطفال اليوم وألعابهم وأغنياتهم ، وأتذكر ابن أخي الصغير الذي لم يتعد السنوات الثلاث وهو يغني أغنية عمرو دياب (حبيبي يا نور العين يا ساكن خيالي) ، وشتان ما بين الماضي والحاضر ، فقد تغيرت الأغاني والألعاب وتعقدت وأخذت نصيبها من التطور التكنولوجي، فهذا هو الأتاري والفيديو جيم والألعاب الكهربية وسلاحف النينجا، وهذه باربي الدمية الأمريكية ومتعلقاتها من ماكياج وسيشوار وملابس داخلية وخارجية وبوي فريند أيضاً.
والسؤال الآن : لماذا لا يتم رصد وتوثيق الأغاني والألعاب الشعبية التي تربينا عليها حتى لا تضيع في غياهب النسيان، أو ليس هذا كله تراثاً ستسأل عنه الأجيال القادمة ..؟! ، لقد تعودنا على الاهتمام بتراث القدماء، ولم نفكر في تراثنا نحن ؟ ولماذا أيضاً لا تخضع ألعاب الطفل وأغنياته لدراسة نفسية واجتماعية نراعي فيها هويته القادمة .. ؟
أحن إلى شارعنا القديم وعالي الطفولة ، وفي أحيان كثيرة أتمنى أن أخلع بذلتي الرسمية ورباط العنق الخانق وأركض – كما كنت أفعل صغيراً – فرحاً بالمطر.. !