تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



وردة الى السيدة العظيمة | الأمير كمال فرج


تشغل السيدة أم كلثوم مكانة هامة في تاريخ الغناء العربي، حيث حققت للغناء عبر مسيرتها الطويلة طفرة حقيقية على صعيد الصوت والكلمات والألحان، واستطاعت أن تقدم – لأول مرة – الأغنية العربية الشاملة التي تعبر عن هوية الإنسان العربي وأسلوبه في الحياة، في عصر بدأ فيه التحول الحضاري من عصر الكلمة المكتوبة إلى عصر الغناء.

 ونظراً لأن الأغنية تتكون من مجموعة عناصر تتكون وتتآزر لتشكل في النهاية الكائن الغنائي، فقد توفرت لأم كلثوم جميع العوامل والعناصر اللازمة لتكوين أغنية عربية ناجحة ومؤثرة أيضاً.

فعلى صعيد الصوت امتلكت سيدة الغناء العربي حنجرة ذهبية قادرة على تحويل الكلمة المكتوبة إلى كلمة غنائية حالمة تصافح الأذن في دعة ورقة، وقد ساعدتها في ذلك مواظبتها منذ الطفولة على قراءة القرآن الكريم وحفظه وتجويده، مما ساعدها على امتلاك القدرة على التنعيم والإحساس بالكلمة ومعناها، والقدرة على ضبط الحركات والسكنات وتطويع إيقاعات الأغنية وقوافيها بشكل فني بديع.

 وامتلكت السيدة العظيمة ميزة أخرى أهم وهي القدرة على الأداء، ليس الأداء بمعناه الشكلي المتواتر، وإنما الأداء بمعناه الاحساسي والتعبيري، وهو الاندماج في التجربة واتحاد ذاتي النص والمغَني، وقد كانت ثمرة ذلك الصدق الفني والإنساني الذي تمتعت به، وهو من الأسرار الهامة التي حققت للأغنية الكلثومية النجاح الكبير لدى المستمعين، فالصدق الغنائي هو السبب المباشر لوصول الأغنية إلى قلوب الناس وليس إلى أسماعهم فقط، وكم من المطربين امتلكوا الصوت الجميل والألحان العذبة والكلمات الرقيقة، ولكن لم تتعد أعمالهم آذان الناس إلى قلوبهم، لافتقادهم هذه الصفة الإنسانية الرفيعة وهي الصدق الفني والقدرة على تقمص التجربة والتعبير عنها بصدق بدرجة توازي المرور بها.

 وعلى صعيد الكلمة تميز عصر أم كلثوم بمناخ أدبي مزدهر ومتطور، وانتشر في الساحة حينئذ العديد من رواد الكلمة مثل أحمد رامي ومرسي جميل عزيز وإبراهيم ناجي وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وعبدالفتاح مصطفى، وغيرهم ..، فتوفر لها بذلك عنصر آخر من عناصر الأغنية الناجحة، فقدم هؤلاء الشعراء العظام لأم كلثوم أروع الكلمات وأرق العبارات وأصدق التجارب الفنية.

 نفس الأمر حدث مع رواد التلحين الذين ازدهر بهم هذا العصر كعبد الوهاب والقصبجي وذكريا أحمد وبليغ حمدي وسلامة حجازي والشيخ أبو العلا ورياض السنباطي وغيرهم ..، حيث قدم عدد كبير من رواد الموسيقى والغناء والألحان الشرقية الصميمة أروع الألحان لعصفورة الغناء، وتعتبر موسيقى أغاني أم كلثوم لوحدها قيمة فنية كبيرة.

 تتضافر إلى جانب ذلك عوامل أخرى شكلت الأسطورة الغنائية لأم كلثوم، ولعل من هذه العوامل التي لم يتنبه إليها أحد هي أن نموذج أم كلثوم شكلاً وموضوعاً كان الناس في احتياج شديد إليه، وهو النموذج الذي يقدم الغناء بشكل محترم وبشكل إيجابي متحضر وليس بالشكل المحرم المتعددة مظاهره، فقد ظهرت أم كلثوم في عصر خارج لتوه من تقاليد راسخة تعتبر الفن عبثاً والغناء حراماً، وكانت الدعوة التي اصطلح عليها بتحرير المرأة في أوجها، والجميع بحاجة إلى نموذج إيجابي يقدم الغناء بشكله الهادف البعيد عن التحريم في هذا الزمن، فجاءت أم كلثوم لتعبر عن هذا النموذج الإيجابي الفريد الذي يظل حتى الآن النموذج الإيجابي للفن الهادف.

 لذلك لا عجب أن نرى مستمعي قيثارة الشرق منهم العامل العادي، والموظف الكبير، والطالب، والشيخ، والمراهقة، والسيدة ..، ولا عجب أيضاً أن نرى ضمن مستمعيها الشاب المتحرر، وفي نفس الوقت نجد ضمن مستمعيها الشيخ الملتزم.

ومن العوامل الأخرى التي باتت القاسم المشترك في نجاح أي مطرب هو اللهجة التي يغني بها، ومدى انتشارها، فقد ساهمت اللهجة المصرية اللهجة الأولى في العالم العربي، والمنتشرة والمعروفة لدى جميع فئاته، في وصول الأغنية الكلثومية إلى جميع العرب مما دفعها من محيطها المحلي المصري إلى المحيط العربي الكبير.

 ونجحت أم كلثوم الفتاة القروية الصغيرة وقدمت الكثير للأغنية العربي، وكان مما حققته أنها ساهمت في ترقيق المشاعر وتهذيب العواطف، والتعبير عن مشاعر الجيل وأفكاره وأحلامه ونظرته للحب والحياة، واستطاعت الأغنية الكلثومية بما احتوته من نصوص وكلمات أن تساهم في رفع المستوى الثقافي للناس، من خلال إقبال العديد من فئات المجتمع عليها للاستماع إليها والاستمتاع بها وفهم واستيعاب معانيها وكلماتها.

كما ساهمت الأغنية الكلثومية في دعم اللغة العربية الفصحى وإثرائها بمعان ومترادفات جديدة لم تكن مستعملة من قبل، وذلك من خلال أغانيها الفصيحة المكتوبة بأقلام مبدعي عصرها مثل (رباعيات الخيام، الأطلال، مدائح شوقي النبوية، أغداً ألقاك، ثورة الشك) أو تلك المنتقاة من تراثنا الشعري الخالد مثل (أراك عصي الدمع)، وساهمت في ذات الوقت في رواج الشعر وازدهاره.

ولم يكن الجانب الفني فقط هو سبب عظمة أم كلثوم، وإنما للجانب الإنساني أيضاً دور في ذلك، فعلى المستوى الأخلاقي لم تشبها شائبة، كما ساهمت أم كلثوم بذاتها الخيرة المخلصة لوطنها وأمتها، والمنحازة للبسطاء في كافة القضايا والمشكلات التي يمر بها وطنها وأمتها العربية والإسلامية، وذلك من خلال الأغنية الهادفة الدينية والسياسية والتوجيهية كما ساهمت في دعم بلادها في المواقف التي استلزمت ذلك مثل حرب 67، فكانت تقيم الحفلات وتخصص عوائدها لدعم المجهود الحربي والإنساني.

 وكانت إضافةً إلى ذلك خير معبرة عن أصالة المرأة المصرية وحبها لبلدها، ومما أتذكره لها أنها عندما زارت فرنسا لإقامة حفل غنائي ضخم، واستضافتها إحدى المذيعات في التلفاز وسألتها: ما الذي أعجبك في فرنسا، أجابت : المسلة المصرية بباريس.

 وإذا كان الزمان يجود كل فترة من الزمن بشخصية عظيمة في مجال الفكر أو الأدب أو الغناء، فإن شخصية هذا العصر الغنائية هي أم كلثوم .ونظراً لأننا نحن العرب اعتدنا أحياناً على تحطيم رموزنا وقممنا بدافع الجهل أحياناً وعدم المسئولية فإن أم كلثوم كغيرها من القمم العربية تعرضت للتجاوزات من قبل أقزام لا يعرفون قيم الفن الصحيحة، وقد تراوحت هذه التجاوزات بين إنكار قيمتها الفنية، وبين مقارنة بعض الفنانات المتواضعات بها.

 أما إنكار القيمة فكان من بعض الجهلاء الحاقدين على ريادة مصر الفنية، والحقد الشخصي تجاه قمة لا يمكن مطاولتها أو زعزعتها، ولم تكن هذه المحاولات بعد وفاتها وإنما كانت أثناء حياتها أيضاً، على سبيل المثال هناك من ادعى أنها وراء موت أسمهان خوفاً من منافستها لها، وهناك من قال أنها مطربة العهد البائد يقصد بذلك الملكية حيث غنت بعض الأعمال للملك فاروق ملك مصر السابق، إلى أخرها من الادعاءات التي لا يقتنع بها عاقل.

 ومن التجاوزات التي تعرضت إليها كوكب الشرق بعد رحيلها ما قرأته في إحدى المجلات مؤخراً تحت عنوان (أم كلثوم الملفقة) وكان موضوعاً تفنن فيه كاتبه وبذل كل جهده لتحطيم ظاهرة أم كلثوم، ولكن الموضوع الذي يكشف مدى ما وصل إليه البعض من انحدار ، يكشف أيضاً عن جهل فني وحقد مميت على قمة عالية من قمم الفن العربي يئس من مطاولتها الكثيرون.

ومن نافلة القول أن الأذواق تختلف، وفي نفس الوقت الذي يحب فيه شخص غناء أم كلثوم، يحب فيه آخر غناء خضرة محمد خضر، وهذه طبيعة الحياة، ولكن أن نتجاوز ونبادر بفرض رأينا الفردي على الآخرين، ومحاولة تحطيم ظاهرة فنية كبيرة بحجم أم كلثوم بسبب عدم حبنا لها، فإن ذلك لا يعدو أن يكون غثاءً ومصارعة لطواحين الهواء.

 وعلى صعيد آخر تطلع علينا بعض الصحف أحياناً بترشيحات غريبة عن خليفة الإيمان كلثوم معلنين في هذا الإطار أسماء مجهولة لا يعلم عنها أحد، وقد نسى هؤلاء أن الشخصيات الفنية كبصمة اليد لا تتكرر، ربما تأتي في المستقبل موهبة أخرى تفوق أم كلثوم، ولكنها أبداً لن تكون خليفتها أو بديلة لها، فالفن لا يورث، وإنما هو نتاج حضاري متراكم تملكه وتتداوله الأجيال.

 ولا شك أن هناك الكثير مما يجب علينا أن نفعله تجاه هذه القمم، لتظل دائماً أمام الأجيال شاهدة على عظمة مصر، يستلهمون منها قيم الفن والإبداع، وعلى الرغم من الاحتفاء الإعلامي السنوي في الإعلام العربي بذكرى أم كلثوم، والأرقام القياسية التي ما زالت تحققها أغانيها رغم مرور ثلاثة وعشرين عاماً على وفاتها، إلا أنه تبرز الحاجة إلى المزيد من الخطوات لتكريم هذا الصوت الخالد.

 على سبيل المثال تبرز ضرورة إقامة متحف خاص لأم كلثوم يضم متعلقاتها الشخصية والفنية، أيضاً إنتاج فيلم سينمائي ضخم عن كوكب الشرق يحكي قصتها منذ أن كانت طفلة صغيرة تجمع القطن في قريتها، مروراً بجولاتها للغناء في المحافظات المختلفة، ثم مجيئها إلى القاهرة وإقامتها في حي عابدين، ثم انتقالها لفيلتها في الزمالك، وصعودها قمة الغناء العربي، فمن الغريب أن تقوم الدول الأجنبية بتنفيذ أفلام تسجيلية عالمية رفيعة عنها، بينما نحن العرب لم نبادر بهذه الخطوة حتى الآن، كذلك يمكن إنشاء مدرسة أو معهد تعليمية فني شامل باسم أم كلثوم يتم فيه تدريس أسس الغناء للأجيال الجديدة لتأسيس أجيال غنائية جديدة، ونزرع المستقبل بالغناء الجميل.

 كذا يمكن أن تضطلع وزارة الإعلام المصرية برعاية مهرجان غنائي كبير سنوياً تحت اسم مهرجان أم كلثوم الغنائي على غرار معرض القاهرة الدولي للكتاب.

رحم الله أم كلثوم .. سيدة الشمس، وقيثارة الروح، والنقش الفرعوني الخالد على ذاكرتنا العربية، .. ووردة على قبرها .. وردة على قبر السيدة العظيمة ..!

تاريخ الإضافة: 2014-04-28 تعليق: 0 عدد المشاهدات :1319
0      0
التعليقات

إستطلاع

مواقع التواصل الاجتماعي مواقع تجسس تبيع بيانات المستخدمين
 نعم
69%
 لا
20%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات