يُخطئ من يقيّم الأفراد قياساً على تصرفهم في لحظه من الزمن، أو فعل واحد من الأفعال، ويسري ذلك على الأمم، فيخطئ من يقيّم الدول على فتره من الزمان، وهذا للأسف سوء حظ مصر مع مجموعة من الشباب العرب الذين لم يعيشوا فترة ريادة مصر، تلك الفترة كانت فيها مصر مثل الرجل الكبير، تنفق بسخاء، وبلا امتنان، وتقدم التضحيات المتوالية دون انتظار للشكر.
هل تعلم يا بني أن جامعه القاهرة وحدها قد علمت حوالي المليون طالب عربي، ومعظمهم بدون أي رسوم دراسية؟، بل وكانت تصرف لهم مكافآت التفوق مثلهم مثل الطلاب المصريين؟، هل تعلم أن مصر كانت تبعث مدرسيها لتدريس اللغة العربية للدول العربية المستعمرة، حتى لا تضمحل لغة القرآن لديهم، وذلك كذلك على حسابها؟.
هل تعلم أن أول طريق مسفلت من جدة إلى مكة المكرمة كان هدية من مصر؟، حركات التحرر العربي كانت مصر هي صوتها، وهي مستودعها، وخزنتها، وكما قادت حركات التحرير فأنها قدمت حركات التنوير.
كم قدمت مصر للعالم العربي في كل مجال، في الأدب، والشعر، والقصة، وفي الصحافة، والطباعة، وفي الإعلام والمسرح، وفي كل فن من الفنون، ناهيك عن الدراسات الحقوقية، ونتاج فقهاء القانون الدستوري جئني بأمثال ما قدمت مصر؟،
كما تألقت في الريادة القومية تألقت في الريادة الإسلامية، فالدراسات الإسلامية، ودراسات القرآن، وعلم القراءات كان لها شرف الريادة، وكان للأزهر دور عظيم في حماية الإسلام في حزام الصحراء الأفريقي. وكان لها فضل تقديم الحركات التربوية الإصلاحية.
أما على مستوى الحركة القومية العربية، فقد كانت مصر أداتها، ووقودها، وإن انكسر المشروع القومي في 67 فمن الظلم أن تحمل مصر وحدها وزر ذلك، بل شفع لها أنها كانت تحمل الإرادة الصلبة للخروج من ذل الهزيمة.
إن صغر سنك يا بني قد حماك من أن تذوق طعم المرارة الذي حملته لنا هزيمة ٦٧ ، ولكن دعني أؤكد لك أنها كانت أقسى من أقسى ما يمكن أن تتصور.
ولكن هل تعلم عن الإرادة الحديدية التي كانت عند مصر يومها؟ أعادت بناء جيشها، فحولته من رماد إلى مارد، وفي ستة سنوات وبضعة أشهر فقط نقلت ذلك الجيش المنكسر إلى أسود تصيح الله أكبر، وتقتحم أكبر دفاعات عرفها التاريخ، مليون جندي لم يثن عزيمتهم تفوق سلاح العدو، ومدده، ومن خلفة، بالله عليك كم دولة في العالم مرت عليها ستة سنوات لم تزدها إلا اتكالاً؟، وستة أخرى لم تزدها إلا خبالا، ثم انظر بعد انتهاء الحرب، فتحت نفقاً تحت قناة السويس التي شهدت كل تلك المعارك الطاحنة، أطلقت علىه اسم الشهيد أحمد حمدي، اسم بسيط ولكنه كبر باستشهاد صاحبه في أوائل المعركة.
انظر كم هي كبيرة أن تطلق الاسم الصغير، هل تعلم انه ليس منذ القرن الماضي فحسب بل منذ القرن ما قبل الماضي كان لمصر دستوراً مكتوباً، شعبها شديد التحمل والصبر أمام المكاره، والشدائد الفردية، لكنه كم انتفض ضد الاستعمار والاستغلال والأذى العام.
مصر تمرض، ولكنها لا تموت، إن اعتلت ومرضت اعتل العالم العربي، وإن صحت، واستيقظت صحوا، ولا أدل على ذلك من مأساة العراق والكويت
فقد تكررت مرتين في العصر الحديث، في أحداها قتلت المأساة في مهدها بتهديد حازم من مصر للزعيم عبد الكريم قاسم حاكم العراق عندما فكر في الاعتداء على الكويت، ذلك عندما كانت مصر في أوج صحتها، أما في المرة الأخرى هل تعلم كم تكلف العالم العربي برعونه صدام حسين في استيلاءه على الكويت؟
هل تعلم إن مقادير العالم العربي رهنت لعقود بسبب رعونته، وعدم قدرة العالم العربي على أن يحل المشكلة بنفسه.
إن لمصر قدرة غريبة على بعث روح الحياة والإرادة في نفوس من يقدم إليها، انظر إلى البطل صلاح الدين, بمصر حقق نصره العظيم. أنظر إلى شجرة الدر مملوكة أرمنية تشبعت بروح الإسلام فأبت ألا أن تكون راية الإسلام مرفوعة، فقادت الجيوش لصد الحملة الصليبية.
لله درك يا مصر الإسلام، لله درك يا مصر العروبة، إن ما تشاهدونه من حال العالم العربي اليوم هو ما لم نتمنه لكم ، وأن كان هو قدرنا ، فانه اقل من مقدارنا واقل من مقدراتنا.
أيها الشباب
أعيدوا تقييم مصر ، ثم أعيدوا بث الإرادة في أنفسكم، فالحياة أعظم من أن تنقضي بلا إرادة
أعيدوا لمصر قوتها تنقذوا مستقبلكم.