تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



الأمير كمال فرج يكتب | الظواهر الأسلوبية عند نجيب محفوظ ومحمد عبدالحليم عبدالله


أعترف أنه لم يتح لي الوقت الكافي لدراسة هذا الموضوع دراسة ممنهجة، فدراسة مثل هذا الموضوع بين عملاقين من عمالقة القصة المصرية يتطلب من ضمن ما يتطلب الكثير من الجهد، فضلا عن أنه يحتاج إلى عوامل عدة لن تتوفر إلا في رسالة بحثية شاملة يجب أن يبذل في سبيلها الكثير من الجهد.

فالباحث يقف أمام أدب هذين العملاقين وقفة طويلة. وقفة المتأمل أمام كنز الدهشة الذي يدعوه إلى البحث والاستقصاء، فكل فقرة او حوارية أو موقف في أدبهما كان يولد عندي موقفا أو نتيجة أو حتى إشارة..

أفكار عديدة ودروب كثيرة تحتاج إلى  البحث لذلك كان التردد على الشاطيء رغم الرغبة الأكيدة في الإبحار.
فلتكن هذه الأفكار مغامرة لاستكشاف المجاهل، والآفاق، ولتكن هذه الدراسة المبسطة نواة لبحث شامل آمل أن يكتب له الظهور إن شاء الله


نجيب محفوظ .. حكيم القاهرة

إذا كان هيكل برائعته "زينب" قد استطاع أن يقدم النموذج الأول للرواية العربية، فإن نجيب محفوظ هو أول من أصل هذا النموذج وأعطاه دعائمه وأسسه التي صاغت المفاهيم الواضحة للفن الروائي المعاصر.

والمتتبع لأعمال نجيب محفوظ منذ بدايتها بدءا بأول رواية أصدرها "عبث الأقدار" عام 1339 م إلى آخر كتاباته "يوم قتل الزعيم" التي نشرتها صحيفة "الأهرام" القاهرية مؤخرا، يجد أن لهذا الكاتب لغته الخاصة، وفكره المميز، بل وأسلوبه المحدد.
التعبير عن الواقع

وكما قلنا فإن الأسلوب لابد وأن يكون وليدا للبيئة، فقد ولد نجيب محفوظ في أحد أحياء القاهرة الشعبية، وتربى فيها، وتفجرت موهبته في ظلها، فجاء أدبه تعبيرا مباشرا عن واقعه ومجتمعه.

يقول رجاء النقاش مقارنا نجيب محفوظ القاهرة ببلزاك فرنسا "سيظل نجيب محفوظ مصدرا من المصادر الأساسية لدراسة مصر وفهمها وتذوقها خلال هذه المرحلة بكل مشاكلها الاجتماعية والنفسية، تماما كما كان بلزاك مصدرا أساسيا لفهم فرنسا في القرن التاسع عشر"

(1) القاهرة القديمة
نجيب محفوظ لم يعبر عن مجتمعه فقط، وإنما وصل أدبه إلى مرحلة صار فيها موسوعة أدبية تاريخية بالغة الدقة تعبر عن مصر في تلك الفترة الهامة من تاريخها.

لقد جاء أدب نجيب محفوظ معبرا عن القاهرة القديمة بتاريخها وأحيائها العتيقة، وأزقتها، وبيوتها الشعبية، وشوارعها التي تموج باليشر، ومعبرا عن الشخصية الشعبية المصرية بمختلف أشكالها واتجاهاتها.

ـ ويشاركنا نجيب محفوظ الرأي ويقول "الرواية عناء خارجي قد يستمر أعواما، وعموما الفن يعكس نبض المجتمع، وإحساس الفنان على مدى السنوات، وتغييراتها، والطبيعي أن الفنانين في شبابهم يستلهمون المجتمع، لأنهم يخوضون حياتهم فيه، وكلما تقدم بهم العمر، وتطور، وثقلت حركاتهم، فإنهم يعتمدون في استلهامهم على ماكان من تجارب وذكريات في المجتمع"

 (2)
معاناة طويلة

يرى نجيب محفوظ أن الرواية ـ كأي جنس أدبي ـ معاناة تتولد وتستمر فترة طويلة، ويرى أن الفن لابد أن يعكس نبض المجتمع ومظاهره، وأن احساس الفنان لابد وأن يتغير على مر السنوات، ذلك التغيير يفيد الابداع، فيجعلهم يستلهمون المجتمع ويحاكونه، وكلما تقدم العمر بالأدباء تراهم يستلهمون المجتمع وما يحويه من ذكريات وتجارب.

وفي هذه المقولة يفسر لنا نجيب محفوظ منهجه الذي سار عليه ولم يحد عنه.

ويمكننا أن نلاحظ ذلك حتى من عناوين قصصه :

"خان الخليلي، و"زقاق المدق" ، و"بين القصرين ..  إلخ ..  والتي جمعت أيضا أسماء أحياء القاهرة وحواريها وأذقتها، بعد أن جمعت أحداثها معبرة عن شخوصها المختلفة.

كان نجيب محفوظ من أبناء الطبقة المتوسطة، وهذه الطبقة ـ كما يقول رجاء النقاش ـ (التي دخلت قلب المجتمع المصري دخولا قويا بعد قيام ثورة 1919 م، وكانت هذه الثورة بقيادة الطبقة الوسطى حتى أطلق البعض عليها "ثورة الأفندية" ..)

(3)
الشغف بالمأساة

والقاريء لأدب نجيب محفوظ سيلاحظ ولأول وهلة شغفه بالمأساة، فقد اختار المأساة مادة لقصصه، ولاشك أن هذا الاتجاه المأساوي أو التراجيدي في أدبه كان منبعه الطبقة الوسطى التي كان ينتمي إليها، فقد عبر عن المأساة بشتى صورها، فجاءت قصصه مزيجا حزينا قاتما يعكس طبقته وظروفها القاسية.

ـ ففي "بداية ونهاية" نراه يعبر عن المأساة الواقعية من خلال أسرة من هذه الطبقة الفقيرة، والتي تتكون من الأم الكادحة التي تسعى لتربية أبنائها رغم الظروف القاسية، و"حسنين" الفتى اللاهي المتطلع دائما للطبقة الأرقى، وشقيقه "حسن" تاجر المخدرات، وشقيقه الثالث الذي اكتفى بشهادته البسيطة حتى لايثقل على أسرته، ، وعمل موظفا بسيطا في إحدى الهيئات، و"نفيسة" الأخت التي اضطرت للعمل "خياطة" لكي تساعد أخوتها على المعيشة، ولكي تساعد أخيها "حسنين" المتطلع لإكمال دراسته.

لقد عبر نجيب محفوظ عن المأساة بأقسى صورها من خلال هذه الأسرة الفقيرة، فتتبع معنا مراحلها حتى سقطت "نفيسة" بائعة للهوى، إلى أن يتم القبض عليها في النهاية، ليأتي أخوها "حسنين" الضابط المتطلع ليتسلمها من نقطة البوليس، ثم انتحارها بإلقاء نفسها في النيل، ثم انتحار "حسنين" في النهاية في نفس المكان من النهر الذي ابتلع شقيقته.

لقد برع نجيب محفوظ في تجسيد المأساة، ورسم خطوطها المعبرة، يقول واصفا موقف "حسنين" و"نفيسة" بعد خروجهما من نقطة البوليس :

(في الخارج لفحة هواء بارد، وكأن الظلام قد خيم، فابتعدا عن نقطة البوليس في خطوات ثقيلة، تتبعه هي على بعد ذراع منكسرة الوجه، سارا مع قضبان الترام، ولم يكن أين ينتهي به المسير ؟).
إنه يعبر عن الموقف المأساوي وكأنه رسام يعبر عن لوحة تشكيلية غاية في الإيحاء، فلفحة الهواء االبارد، واختلافها عن الهواء في الداخل دلالة على المجتمع وقسوته، والظلام الذي خيم دلالة على المأساة بصورتها القاتمة، والخطوات الثقيلة توحي بالحزن والأسى، والانكسار، والاستسلام لضربات القدر المتوالية، أيضا "منكسة الرأس" توحي بالذل والمهانة، والسير على قضبان الترام ومعه يرمز إلى الحياة التي نسيرها رغما عنا، وحتمية أن نسير معها طائعين، وعبارة "لم يكن يدري أين ينتهي به المسير" تجسم الضياع، وتجسد قدرة الكاتب على التكثيف،  فعن طريق جملة واحدة يعبر الكاتب عن معاني عديدة، فهاهو القدر يمهد له طريقه الذي يسير فيه، ولا يعرف أين ينتهي به .

كما نرى براعة الكاتب في رسم الموقف المأساوي وتجسيده عندما يصف لنا موقف انتحار "نفيسة" في النهار ، فيقول
(مازالت الفتاة تحملق في الماء، نظر هنا وهناك . لم ير أثرا لإنسان، وتجمعت نفسه في لحظة ترقب مليئة بالفزع والرعب، رآها تعطف رأسها يمينا وشمالا، وبغتة، وفي حركة سريعة يائسة، تسورت السور، وزلزل قلبه، وهو يتابع حركاتها، وجحظت عيناه، لايمكن .. ليس هذا ..،  أما هي فألقتنفسها ـ أو تركت نفسها تهوي ـ وقد انطلقت من حنجرتها صرخة طويلة كالعواء تمثل لعيني المبتلى بسماعها بوجه الموت، فجاوبها بصرخة فزع، ولكنها ضاعت في صرختها).

هكذا يعبر نجيب محفوظ عن الموقف المأساوي ويثقل على قارئه بالحزن والقلق، وإذا لحظنا الأسلوب نجد أن الجمل قصيرة مكثفة، سريعة سرعة الموت، وسرعة تتابع الأقدار، متوترة توتر السائر إلى حتفه، كما نلاحظ المزاوجة بين الفعلين الماضي والمضارع، "تحملق، نظر، ير، تجمعت، تعطف، تسورت، زلزل، يتابع، جحظت، تركت، انطلقت، جاوبها، ضاعت".
هذه المزاوجة التي تضيف إلى الموقف تكثيفا وصراعا وتوترا.


محمد عبدالحليم عبدالله والعبق القروي


إذا كان أدب نجيب محفوظ جاء معبرا عن القاهرة وشوارعها وأزقتها وحواريها وتاريخها الشعبي العريق فإن أدب محمد عبدالحليم عبدالله جاء معبرا عن القرية المصرية بوجوهها الطيبة وأحلامها الصغيرة، وعبقها القروي الأصيل.
محمد عبدالحليم عبدالله أحد أعمدة القصة المصرية، والذي أثرى هذا الميدان بعشرات القصص التي استمد جذورها من الأرض والطين.

وإذا كان الكاتب دائما ما يعبر عن واقعه وبيئته، فإن محمد عبدالحليم عبدالله،  قد عبر عن واقعه الصغير، فقد ولد في إحدى قرى البحيرة غرب الدلتا، ونشأ وعاش بها متمسكا بقريته عاشقا لأرضها، وتفجرت موهبته معبرة عن هذه الأرض، وهمومها.

(1) الواقع الريفي
نذر محمد عبدالحليم عبدالله قلمه للتعبير عن واقعه الريفي الصغير، فجاء أسلوبه معبرا عن ذلك الواقع، مناصرا له.
وإذا كان نجيب محفوظ قد عبر عن طبقة الأفندية التي كان ينتمي اليها فإن محمد عبدالحليم عبدالله قد عبر عن طبقته طبقة الفلاحين.

وإذا كان نجيب قد اختار المأساة ليعبر عنها في كل أعماله، فإن محمد عبدالحليم عبدالله اختار الموقف الانساني العام، بأسلوب يخلو من القتامة التي نلاحظها عند نجيب، ففي أسلوب نجيب كما لاحظنا الصور المعقدة والموقف المشحون والعبارات المتعددة التي أحيانا ما تتكرر مضموناتها، كذلك كنا نلاحظ عند نجيب الوقوف الطويل أمام شخصية الموقف، فقد كان يحرص على وصف أدق التفاصيل، أي أنه كان يجسد الشخصيا تجسيدا كاملا، فهو من الممكن أن يقف أمام شخصية بالوثف في أربعة صفحات كاملة من قصته لكي يستوعب القاريء الشخصية، ثم يكمل الموقف.

أما محمد عبدالحليم عبدالله فنلاحظ أنه اعتمد على الأسلوب الواضح السلس الخالي من القتامة والتعقيد والفلسفة، وأيضا نلاحظ أنه يلجأ إلى الإيجاز في معظم الأحيان بعكس نجيب.

يقول مثلا في "للزمن بقية):

(ذهب فنام .. واستيقظ والليل مستتب)

لاحظ الجملة القصصية المكثفة ففي جملة واحدة أوجز مساحة زمنية كبيرة، فقد ذهب البطل فنام ثم استيقظ .، لقد أوجز أكثر من حدث في جملة واحدة، ولو كانت هذه العبارة عند نجيب محفوظ لما ترك فعل من هذه الأفعال إلا وحلله وتمادى في وصف حالته.

يقول محمد عبدالحليم عبدالله في مقطع آخر :

(وعرجا على حجرة المكتب والنوم وجلسا .. كان البدوي في ثوب فضفاض حاطه لنفسه، فكان غير مضبوط، لكنه كان في بياض السوسن،وأضفى على الرجل روحانية تقرب إلى الرهبنة، وجلس البدوي يفرك كفيه كأنه يستدفيء (غبت كثيرا ياصلاح القاهرة بدونك ليست عاصمة)

ـ إلى هذا الحد
ـ كل شيء بدونك غير أساسي .. حدثنا عن أحوالك
ـ ...................
ـ ...................
ـ آه كل هذا، كل هذا ، إذهب أولا فاشتر مانتعشى به وارجع)

لاحظ الحوار المقطوع الذي استبدله الكاتب بمجموعة من النقاط تدل عليه، فالكاتب قد أوجز الحوار كفترة زمنية، رغم أنه كان من الممكن أن يطرح الحوار، أو حتى يتوقف عنده بالوصف والتحليل، كما يفعل نجيب محفوظ، إلا أنه تعود على أن يمر مرورا سريعا على المواقف، وإن وقف يكون الوقوف السريع الذي تعقبه مواقف أسرع وأسرع.

المتابع لعمل محمد عبدالحليم عبدالله القصصي نلاحظ أن صفحاته مليئة بالأحداث المتتابعة، بعكس نجيب الذي يقف كثيرا أمام الموقف الواحد بالوصف والتحليل.


تاريخ الإضافة: 2014-06-15 تعليق: 0 عدد المشاهدات :2674
4      0
التعليقات

إستطلاع

مواقع التواصل الاجتماعي مواقع تجسس تبيع بيانات المستخدمين
 نعم
69%
 لا
20%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات