عم رشيدى الغلبان الكائن بخص على شط البحر والممتهن حرفة الصيد أبا عن جد. لم يكن يبغى من الحياة سوى الستر، مكتفيا بما يرزقه الله من رزق البحر. وعندما يزداد هذا الرزق بعض الشئ . لا تجد عند عودته سوى ابتسامة عريضة تبتسم فيها تجاعيد وجهه التى نحتتها ملوحة البحر. وكأن حاله يقول "إدلع يارشيدى على وش المية"
.. هكذا حال عم رشيدى وملايين مثله مما يمثلون هذا الشعب. منهم من يجد قوت يومه ومنهم من يصبر عليه لغدا حامدين شاكرين غير ناقمين بما قسمه الله لهم.
ولكن هل حال كل المصرين كذلك..؟ فإذا كان هناك الحامدين على نعمة الله. هناك أيضا وليسوا قليلون حاقدون على ما فى أيدى الناس من نعمة. لنتوقف قليلا ونقول أى نعمة..؟ ، أهى نعمة العمل والكفاح ..أم نعمة السرقة وإستغلال النفوذ. أم نعمة إستغلال الفرص.. يتكسبون منها دون أن يكون لهم شرف الشقاء فى جمع تلك النعمة، فيعلون فوق المجتمع الحالم بالعدالة التى من أجلها صبر الكثير.
منتظرين أن تتبدل مقولة "العدل أساسه إدلع يارشيدى لوحدك فقط".
"العدل أساسه الملك" ..مقولة دائما ما نشاهدها فقط سوى فى قاعات المحاكم يتوسطها ميزان الحق والعدل . يباشر هذا الميزان قضاة عدل على هذا المجتمع ليكونوا يد الله فى الارض، ولكن هل هم فعلا يد العدل فى الأرض يمارسوه على أنفسهم أولا قبل أن يمارسوه على الغير.
إن الأحداث التى شهدتها مصر فى تلك الفترة العصيبة تؤكد صمودنا مع يد العدل فى الأرض فى وجه مصير أسود كاد أن يعصف بنا وبقضائنا الشامخ إلى المجهول تحت ظل حكم عصابة أرادت أن تعصف بهذا الوطن .
لم تكونوا بمفردكم، ولكننا كنا معكم تستمدون قوتكم من الرفض الشعبى الذى كان يعلم ماذا سيؤل به مصيركم. بالرغم من علم الشعب بمدى العزبة التى تعيشون فيها بمفردكم أنتم .دون هذا الشعب .
نعم كانت مصر بالنسبة إليكم عزبة تمتلكونها .كما كان يمتكلها الفسدة قبل ثورة 25 يناير. وعندما كان شعارها عيش حرية عدالة إجتماعية .كنتم أول من إستفادوا من هذا الشعار. وبعدها إستفاد معها عاملين الجهاز الحكومى. وإنتظر الملايين أن تتحقق العداله لهم. مثلما تحققت لكم.
ولكن الشعب صبر على الإبتلاء حتى جاءت ثورة ٣٠ يونيو ليطفوا الحالمين مرة أخرى بما كانوا عليه فى السابق .ويحلم الشعب أن يرى العدالة تتحقق مرة أخرى عندما شاهد رئيسها وهو يتبرع بنصف ماله لأجل إعادة بناء مصر مرة أخرى. بل وأكثر من ذلك حقق ما كان مطلوبا منه بالحد الأدنى والأقصى من الأجور وقد كان أول من طبقه على نفسه.
بالرغم من أن هناك ملايين من هذا الشعب بالكاد يتحصل على قوت يومه.
إلى هنا نتوقف مرة ثانية بعد زوال الغمة عن مذبحة القضاء الشامخ. رجع القضاء مرة أخرى الى عادته القديمة . ورفض أن يتنازل عن عزبته التى كانت قد أوشكت على الضياع فى عهد حكم مرسى. بل والأكثر من ذلك أنهم رفضوا الحد الأقصى من الأجور، وكأنهم يخرجون ألسنتهم ويديرون ظهورهم لمن وقف بجوارهم من هذا الشعب، مستغلين الظروف التى يمر بها الوطن، وعلمهم أنه لا مواجهه لتلك العزبة التى يعيشون فيها الآن. إنه القضاء الشامخ إبن الشامخ أبن عم الشامخ إبن الأخت الشامخ اللى لسة فى رحم الشامخ.
إنه القضاء الذى يمارس العدل على الناس كافة دون أن يمارسه على نفسه. لم يكن أوانه أن ننتقد أفعاله فى ظل تلك الظروف، ولكنهم لم يتركوا لأنفسهم متسعا من الوقت حتى يمر الوطن من أزمته.
المهم أن يتراقصوا كلما إزدادو ضغطهم على جراح هذا الوطن من أجل مصالحهم ..على أنغام إدلع يارشيدى، .. عفوا إنتبهوا إن الشعب يئن من الفقر..