تحدثنا كثيرا عن ضرورة وجود ضوابط أو ميثاق يحكم الفضائيات العربية، حتى أصبحت هذه الدعوة مكررة روتينية مستهلكة، لا تحقق أدنى أثر لدى الناس..، ولكن الآن وفي ظل الأزمات المتكررة التي تسببت فيها بعض الفضائيات العربية، أصبح الطلب ملحا.
الآن وبعد مرور 25 عاما على الانفجار الفضائي، ووصول عدد الفضائيات العربية إلى ما يقرب من 1300 فضائية متنوعة المصادر، والأفكار، والمشارب، والأهداف. نحتاج إلى ثورة تصحيح إعلامية، وقانون إعلامي يلتزم به الجميع.
بعد التجربة المريرة لما سمي بـ"الثورات العربية" وما أفرزته من خسائر وانقسامات، لا يمكن لناقد أن يجامل ويتغاضى عن دور بعض الفضائيات في نشر الخلاف والشقاق، والترويج للعنف، سواء كان ذلك عن قصد أم جهل، وهو ما ساعد على اشتعال النار، ونشر الفوضى في بقاع كثيرة من العالم العربي المثخن أصلا بالجراح.
لا نهدف من الضوابط إلى تقييد حرية الإعلام، حاشا لله، .. ولكن نريد قواعد محددة تحمي رسالة الإعلام الفضائي من الجنوح، أو الاستغلال، أو الاستقطاب، أو الشطط الذي تكون ضحيته في النهاية .. الشعوب.
يجب أن نعترف بأن هناك فضائيات ـ وفي غمرة الركض خلف السبق ـ سقطت في فخ الجهل، فروجت معلومات خاطئة، وصنعت من مجرمين نجوما في المجتمع، وبثت الشقاق بين الدول، وبدلا من أن تكون وسيلة لنشر القيم وتوعية الناس، وتنويرهم، وتدعيم اللحمة الوطنية، وخدمة قضايا الإنسان في كل مكان. نشرت الجهل، والخوف، والشقاق، والاحتراب بين أبناء الشعب الواحد من ناحية، وبين الشعوب العربية من ناحية أخرى.
كلنا يعلم أن هناك فضائيات عربية تمارس التجسس، والابتزاز، وترويج الإرهاب، تعمل وفق أجندة غير وطنية ، .. نعلم جميعا أن هناك فضائيات مارست التحريض على العنف، وسقط بسببها أنظمة، وملايين الضحايا والمشردين.
وفقا للتقرير السنوي لاتحاد إذاعات الدول العربية لعام ٢٠١٤ ، فإن عدد القنوات الخاصة 1129 قناة، فيما يبلغ عدد القنوات العامة نحو 165 قناة، من هنا فإن الفضائيات الخاصة تتحمل الوزر الأكبر من الأخطاء .
الفضائيات الخاصة مشاريع تجارية هدفها الأساسي الربح، لا تقل لي أن رجل الأعمال الذي أطلق القناة يهدف من مشروعه نشر القيم والمباديء ..، هي في الأساس مشاريع تجارية، وأي مشروع تجاري يكون هدفه الأول هو المال . والدليل على ذلك عشرات الفضائيات التي أغلقها أصحابها لعدم تحقيقها العائد المادي الحلم.
أي نعم يمكن أن تنضاف إلى الربح مقومات أخرى مثل الوجاهة، والشهرة والنفوذ الاجتماعي .. وأحيانا السياسي . ولكن يظل الربح هو الهدف الأساسي لأي فضائية خاصة . من هنا تكثر الأخطاء، وتضيع "الطاسة" .. أقصد البوصلة..
نحن بحاجة إلى نقطة نظام للفضائيات العربية، وضوابط جديدة توائم بين الحرية الإعلامية والمسؤولية الاجتماعية. ضوابط أو قواعد أو ميثاق إعلامي ـ سمها ما شئت ـ .. المهم تصحيح تجربة الفضائيات العربية التي جنحت للأسف ـ في بعض الأحيان ـ عن جادة الصواب.