القاهرة: الأمير كمال فرج.
لطالما أثمر تسجيل موسيقى الطبيعة عن مقاطع صوتية آسرة ومؤثرة، من أصوات آلات المزج المستوحاة من الفطر الغريبة إلى "فرقعات" النباتات المتعطشة المرهقة.
غير أن تسجيلاً جديداً لنهر جليدي ذائب في جبال الألب السويسرية يتجاوز كل الحدود ليلامس الدمار المحض. مشروع "النهر الجليدي الباكي Crying Glacier"، الذي سجّله فنان الصوت الفرنسي لودفيغ بيرغر في نهر مورتراتش الجليدي سريع التراجع في الجزء العلوي من جبال الألب السويسرية، هو تماماً كما يوحي اسمه: توثيق الأنفاس الأخيرة لبنية قديمة.
في فيلم وثائقي قصير يحمل الاسم نفسه، أنتجه الاستوديو الدنماركي "إل فلامينغو" وروجت له صحيفة New York Times، يندفع "النهر الجليدي الباكي" نحوك باندفاع. بأصواته السائلة المتدفقة السريعة التي قد تبدو أشبه بجدول مبهج أكثر من كونها لعملاق جليدي يحتضر، تصدر تشققات وتكتكات مورتراتش أصواتاً تكاد تشبه أصوات الأشجار.
في منتصف الفيلم القصير، تتناغم جميع الأصوات والمشاعر المستقاة من النهر الجليدي — بريق المياه المتدفقة، فرقعات فقاعات الهواء الصغيرة التي يوضح بيرغر أنها تعود لمئات أو حتى آلاف السنين، الخفة التي تسببها أصوات إطلاق الغازات الشبيهة بالغازات المعوية، وتلك التكتكات الخارقة للطبيعة — لتصل إلى ذروتها.
يتحول هذا النشاط الصاخب الأولي إلى كآبة مع بدء النهر الجليدي في إصدار أصوات تكاد توحي بأنه يغرق. وبحلول الوقت الذي تدرك فيه ما تسمعه في هذه السيمفونية القطبية، يكون الأوان قد فات للتراجع.
قال بيرغر في الفيلم الوثائقي: "كلما بدت الحياة تدب في النهر الجليدي، كلما كان ذلك يعني أنه يحتضر بوتيرة أسرع."
إلى جانب الفيلم الوثائقي، الذي لا تتجاوز مدته العشر دقائق بقليل لكنه يبدو وكأنه مأساة استمرت لساعات بحلول نهايته، أصدر مسجل الصوت الميداني أيضاً على منصة Bandcamp مقطعاً صوتياً منفرداً بعنوان "بمقياس مختلف on a different scale" يوثق الظاهرة نفسها بوسيط مختلف.
تم إدراج بيرغر و"فادريه دا مورتراتش" (النسخة السويسرية لاسم النهر الجليدي) كملحنين؛ ويلتقط المقطع أيضاً المونولوج السيمفوني لبنية قديمة تندمج بشكل أسرع وأسرع مع البحر الجليدي المحيط بها.
مثل أي مأساة سيمفونية جيدة، يبدو أن "النهر الجليدي الباكي" تم تحريره ليعبر عن سرد معين. فمن مقدمته الهادئة والمبهجة إلى نهايته الدرامية وخاتمته التأملية، وثق هذا المشروع شيئاً جميلاً بقدر ما هو حزين: أصوات نهر جليدي، يرمز لكوكبنا، وهو يلهث بحثاً عن حياة تتلاشى.