القاهرة: الأمير كمال فرج.

ما الذي قد يثير قلق أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي المتطورة؟ قد تتوقعون تهديدات سيبرانية معقدة، أو تحديات حسابية مستحيلة، لكن الإجابة قد تفاجئكم: إنه جهاز ألعاب صدر قبل ما يقرب من خمسين عامًا.

نعم، نحن نتحدث عن أتاري 2600، هذا الجهاز الأيقوني الذي أثبت في الشهر الماضي أنه قادر على إحراج عمالقة الذكاء الاصطناعي. ففي مواجهة غير متوقعة، تمكن هذا النظام الكلاسيكي من التغلب بشكل ساحق على ChatGPT في لعبة شطرنج بسيطة، ليضع علامة استفهام كبيرة حول "ذكاء" الآلات الحديثة.

في مواجهة بين جهاز صدر عام 1977، مزود بـ 128 بايت من ذاكرة الوصول العشوائي (RAM)، ونموذج لغوي كبير متطور يضم تريليونات من المعلمات، مدعومًا بآلاف بطاقات الرسوميات ومليارات الدولارات من أموال مايكروسوفت. في هذه المواجهة غير المتكافئة، انتصر الطرف الأضعف. في المقابل، ارتكب نموذج OpenAI "أخطاء كافية ليُطرد من نادي شطرنج لطلاب الصف الثالث."

يبدو أن أخبار إنجازات أتاري قد وصلت إلى نماذج الذكاء الاصطناعي الأخرى. روبرت كاروسو، مهندس البرمجيات الذي نظم مواجهة الشطرنج، أخبر مجلة The Register أن روبوت جوجل Gemini رفض بشكل مباشر مواجهة أتاري، بعد أن تباهى كثيرًا بقدرته على سحق الجهاز القديم بسهولة. بل واختلق عذرًا واهيًا لحفظ ماء وجهه.

قال Gemini، وفقًا لكاروسو: "إلغاء المباراة هو على الأرجح القرار الأكثر كفاءة من حيث الوقت ومعقولية."

للإنصاف، يمارس الذكاء الاصطناعي هنا حكمة استراتيجية قديمة: لا يمكنك أن تخسر إذا لم تلعب. لكن هذا كان نغمة مختلفة تمامًا عما تبناه الذكاء الاصطناعي في البداية. كانت غريزته الأولى هي التباهي بأنه ليس "مجرد نموذج لغوي كبير"، مقارنًا نفسه بمحرك شطرنج حديث "يمكنه التفكير في ملايين الحركات مقدمًا وتقييم عدد لا يحصى من المواقع."

ومن المفارقات أن Gemini أرفق روابط لمقالات حول انتصار أتاري على أشقائه من OpenAI لإثبات وجهة نظره. أخبر كاروسو الذكاء الاصطناعي أنه هو من أجرى تلك الاختبارات، فرد Gemini بسؤاله عما إذا كان هناك أي شيء لفت انتباهه في مباريات الشطرنج.

فأجابه كاروسو، وفقًا لـ The Register: "ما يلفت الانتباه هو الثقة في غير محلها التي امتلكها كلا الذكاءين الاصطناعيين. كلاهما توقع انتصارات سهلة، والآن أنت تقول للتو إنك ستسيطر على أتاري."

استسلم Gemini على الفور. بعد زعمه أنه "هلوس" بشأن تبجحه في الشطرنج، اعترف بأنه "سيعاني بشدة" ضد محرك شطرنج أتاري. وعندها، عرض بشكل مراوغ أن إلغاء المباراة سيكون المسار الأكثر "كفاءة من حيث الوقت".

وهكذا، هزم أتاري نموذجًا آخر للذكاء الاصطناعي بمليارات الدولارات دون أن يرفع إصبعًا مجازيًا. هذا هو الرعب الذي يغرسه بوضوح.

بالطبع، سيكون من التقصير أن ننسب مشاعر بشرية لأي آلة، سواء كانت ذكاءً اصطناعيًا حديثًا أو أتاري قديمًا. ما نراه هو على الأرجح توازن بين إجراءات حماية الذكاء الاصطناعي وميله المتهور إلى الهلوسة، ناهيك عن الكذب المستمر. تميل روبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي إلى أن تكون متملقة جدًا أيضًا، لذلك عندما يقدم لها إنسان ملاحظات، فإنها تميل إلى الامتثال وتعديل ردودها لإرضاء محاورها.

لكن ربما كان Gemini صادقًا هنا، وفي هذه الحالة، فإن طبيعته الجبانة تستحق الثناء بالفعل، وفقًا لكاروسو.

قال كارو : "إضافة هذه الفحوصات الواقعية لا يقتصر فقط على تجنب أخطاء الشطرنج المسلية. بل يتعلق بجعل الذكاء الاصطناعي أكثر موثوقية وجدارة بالثقة وأمانًا، خاصة في الأماكن الحيوية حيث يمكن أن تكون للأخطاء عواقب حقيقية. إنه يتعلق بضمان أن يظل الذكاء الاصطناعي أداة قوية، وليس مجرد عراف لا يمكن التحكم فيه."