القاهرة: الأمير كمال فرج.
منذ بداية التصنيع الكيميائي التجاري في الأربعينيات، شهدت البيئة تزايدًا مقلقًا في تركيز المواد الكيميائية المصنعة، مثل اللدائن الدقيقة ومركبات البيسفينول. أحدث هذه المواد هو حمض التريفلوروأسيتيك (TFA)، الذي أصبح ينتشر بشكل لافت.
ذكر تقرير نشرته مجلة Nature أن "هذا الحمض يتسلل إلى كل جزء من العالم الطبيعي، وهو ينشأ بشكل أساسي من المبيدات ومواقع النفايات التي تتحلل منها مركبات PFAS، المعروفة باسم "الكيماويات الأبدية" بسبب بطء تحللها الشديد"
كيف ينتشر المطر القاتل؟
بفضل حجمه الصغير وقابليته للذوبان في الماء، يتبع حمض التريفلوروأسيتيك دورة الماء بسهولة. وقد كشفت الدراسات عن وجوده في 94% من عينات مياه الصنبور في 11 دولة أوروبية.
رُصدت مستويات مرتفعة منه في أماكن متنوعة، من الأشجار في ألمانيا إلى أعماق المحيط الأطلسي، وحتى في الجليد بالقطب الشمالي. والغريب أن هذا الحمض يتواجد في معظم مياه الأمطار حول العالم، ليس بسبب التبخر، بل عبر ارتباطه بالغازات الفلورية التي تنتج عن المبردات وطفايات الحريق.
جدل علمي حول المطر القاتل: هل هو خطير حقًا؟
رغم أن الأبحاث على الحيوانات أظهرت تأثيرات ضارة لحمض التريفلوروأسيتيك على الأجنة والكبد، إلا أن بعض الباحثين في الصناعة البتروكيميائية يقللون من خطورته. يجادلون بأن وجود كميات كبيرة منه في المحيطات يدل على أن الكوكب قادر على التعامل معه، وأن القلق بشأنه مبالغ فيه.
وقد تبنت بعض الهيئات الحكومية هذا الموقف، مما سمح بتأخير تنظيم هذه المادة. في المقابل، ترفض الأوساط العلمية هذه الحجج، وتؤكد دراسة كندية عام 2021 أنه لا يوجد دليل على وجود حمض التريفلوروأسيتيك بشكل طبيعي، وأن الحجج المضادة ما هي إلا محاولة لعرقلة التنظيم.
المطر القاتل: درس من التاريخ
يُذكّرنا الجدل حول حمض التريفلوروأسيتيك بما حدث مع مركبات PFAS، حيث كانت شركات مثل 3M وDuPont تنتجها لعقود رغم معرفتها بسميتها منذ السبعينيات. لم تظهر أضرارها في السجلات العلمية إلا في أواخر التسعينيات، وكان الأوان قد فات.
اليوم، يمكن العثور على آثار مركبات PFAS المسببة للأمراض في جميع الكائنات الحية تقريبًا. هذه السابقة تجعل من الضروري التعامل بجدية أكبر مع حمض التريفلوروأسيتيك، وعدم تكرار الأخطاء السابقة في تجاهل المخاطر المحتملة.
هل يوجد حل؟
تتزايد الدعوات من قبل العلماء والنشطاء البيئيين لفرض قوانين أكثر صرامة على إنتاج واستخدام هذه المواد الكيميائية. الحل يكمن في البحث عن بدائل آمنة، وتحسين تقنيات إدارة النفايات، ووضع معايير دولية تحد من انبعاث الغازات المفلورة التي تساهم في انتشار حمض التريفلوروأسيتيك.
في الوقت الحالي، يبقى الوعي بهذه المشكلة هو الخطوة الأولى. فمعرفة الأسباب والنتائج المحتملة لهذا "المطر القاتل" يمكن أن تدفع الحكومات والشركات نحو اتخاذ إجراءات وقائية جادة قبل أن يتفاقم الوضع.