القاهرة: الأمير كمال فرج.
تواجه شركة الاستشارات المرموقة McKinsey مستقبلًا يكتنفه الغموض، حيث تجد نفسها في مواجهة مباشرة مع الذكاء الاصطناعي.
ذكر تقرير نشرته مجلة Futurism إن "وظائف المستشارين ذوي الأجور الباهظة باتت في خطر، مع ظهور وكلاء الذكاء الاصطناعي – وهي نماذج ذكاء اصطناعي مصممة لتنفيذ مهام معينة بشكل مستقل – التي تعد بإنجاز نفس مهامهم بنتائج فورية، ودون الحاجة إلى رواتب خيالية تصل لمئات الآلاف".
وفي تصريح لصحيفة Wall Street Journal، قالت كيت سماج، الشريكة البارزة التي تقود جهود الذكاء الاصطناعي في McKinsey: "هل أعتقد أن هذا الأمر يمثل تهديدًا وجوديًا لمهنتنا؟ نعم، أعتقد ذلك". لكنها استدركت قائلة: "إلا أنني أراه فرصة وجودية إيجابية لنا".
لذلك، تقوم الشركة حاليًا بما تجيده في أوقات التحولات الكبرى: تقديم الاستشارات، ولكن هذه المرة لنفسها. وبحسب الشريك الإداري العالمي للشركة، بوب ستيرنفلز، أصبح الذكاء الاصطناعي هو محور النقاش في كل اجتماع لمجلس الإدارة.
وبعد دراسة متأنية، يبدو أن الشركة قررت اللحاق بالركب دون تفكير عميق، تمامًا مثل الآخرين. فوفقًا للصحيفة، نشرت الشركة حوالي 12 ألف وكيل ذكاء اصطناعي في مختلف أقسامها. ويأتي هذا في أعقاب تخفيض تاريخي لعدد الموظفين على مدار الـ 18 شهرًا الماضية، حيث تقلصت قوتها العاملة من 45 ألفًا إلى 40 ألف موظف. ومع ذلك، تؤكد الشركة أنها لا تستغني عن موظفيها من البشر بسبب الذكاء الاصطناعي.
وقال ستيرنفلز للصحيفة: "سنستمر في التوظيف، لكننا سنواصل أيضًا بناء الوكلاء الرقميين". ويتصور أنه في المستقبل القريب، سيكون لدى McKinsey وكيل ذكاء اصطناعي مقابل كل موظف بشري.
بالطبع، McKinsey ليست ضحية في هذه المعادلة، بل تسعى لتحقيق مكاسب مزدوجة من هذا التوجه الذي تجني منه الأرباح بالفعل. فبحسب Wall Street Journal، يأتي ما يقارب 40% من إيرادات الشركة – التي تجاوزت 16 مليار دولار في عام 2023 – من تقديم الاستشارات حول الذكاء الاصطناعي. وبرر ستيرنفلز هذا التوجه الشامل بأنه محاولة لمواكبة عملائهم.
وأضاف: "لا تريد أن يكون من يساعدك متأخرًا عنك في تجربة كل ما هو جديد".
ويُستخدم وكيل الذكاء الاصطناعي الأكثر شيوعًا في الشركة للمساعدة في كتابة المستندات وفقًا للأسلوب الداخلي المعتمد. كما تساعد أدوات أخرى في تلخيص الوثائق والمقابلات، وإعداد عروض PowerPoint التقديمية. وتزعم إحدى هذه الأدوات أنها "تتحقق من منطقية حجج المستشار، وتتأكد من سلامة تسلسل الأفكار"، بحسب الصحيفة.
لكن هذا الاندفاع الشديد نحو الذكاء الاصطناعي يثير الشكوك ويدعو للقلق. فمن المؤكد أن أدوات الذكاء الاصطناعي سريعة في حل المشكلات، لكنها ليست موثوقة دائمًا. فحتى أكثر النماذج اللغوية الكبيرة تطورًا تمارس "الهلوسة" بشكل روتيني، أي أنها تختلق حقائق لا أساس لها من الصحة قد تمر دون أن يلاحظها أحد.
ولمعرفة مدى خطورة هذا الأمر في بيئة عمل رسمية أخرى، يكفي النظر إلى التقارير المتزايدة عن محامين ارتكبوا أخطاءً قانونية كارثية بسبب اعتمادهم على أدوات الذكاء الاصطناعي في كتابة المستندات أو الاستشهاد بسوابق قضائية تبين لاحقًا أنها وهمية تمامًا.
وتشير بعض الأبحاث إلى أن التكنولوجيا قد لا تستمر في التمتع بتحسينات خطية متواصلة. فالإطلاق الباهت لنموذج GPT-5 الذي طال انتظاره من OpenAI الأسبوع الماضي – بعد عامين من التطوير – يجب أن يدفع أي شخص يتوقع قفزات هائلة في قدرات الذكاء الاصطناعي إلى التمهل.
ومن المفارقات أن McKinsey، بسعيها اليائس للبقاء في دائرة الضوء عبر تبني هذه التكنولوجيا المشكوك في أمرها، إنما تعزز فكرة أن شركات الاستشارات الكبرى واللامعة أصبحت بمثابة ديناصورات عفا عليها الزمن.
وعلى أي حال، يرى آخرون في هذا المجال أن ما يحدث هو دعوة للاستيقاظ والتركيز بشكل أكبر على الجانب الإنساني.
حيث صرح نيك ستودر، الرئيس التنفيذي لشركة الاستشارات Oliver Wyman، للصحيفة: "لقد انتهى عصر غطرسة المستشار الإداري". وأضاف أن العملاء "لا يريدون شخصًا يرتدي حلة رسمية ويقدم عرضًا تقديميًا، بل يريدون شخصًا على استعداد للنزول إلى الميدان ومساعدتهم على توحيد فرق عملهم والمشاركة في الإبداع معهم".
ورددت سماج نفس الفكرة قائلة: "يمكنك الآن الوصول إلى إجابة جيدة ومتوسطة باستخدام التكنولوجيا. لذا، فإن الطبقة الأساسية من الخبرة المتواضعة ستختفي". وأضافت: "لكن الخبرة المتميزة ستصبح أكثر قيمة".
وبالمثل، أشاد ستيرنفلز بسمعة McKinsey باعتبارها "مصنعًا للقادة"، واختتم قائلًا: "هذا شيء لا أعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيعطله".