القاهرة: الأمير كمال فرج.
تُقدم الدراسات الحديثة في مجال علم الآثار الوراثي archaeogenetics أدوات ثورية لإعادة بناء تاريخ البشرية القديم، كاشفةً عن حقائق جديدة حول أنماط الهجرات البشرية، والتبادل الجيني بين المجموعات السكانية، وتطور الحضارات. وفي سياق هذا البحث، كشف اكتشاف أثري فريد في قلب الصحراء الكبرى عن مجموعة بشرية غامضة، لتُعيد كتابة فهمنا لكيفية انتقال المعرفة وتأثير العزلة الجغرافية على التكوين الجيني للإنسان القديم.
ذكر لويس برادا في تقرير نشره موقع VICE أن "بين 14,800 و 5,500 عام مضت—خلال ما يُعرف بـ "الفترة الإفريقية الرطبة"—كان ما نسميه الآن الصحراء الكبرى عبارة عن سهل عشبي (سافانا) أخضر. كانت تحتوي على بحيرات، وأراضٍ رطبة، وأشجار".
ولكن اكتشاف جديج وفقاً أبان عن وجود مجموعة من البشر الغامضين الذين لا يتشاركون الحمض النووي مع أي من البشر المعاصرين.
ذكرت مجلة Popular Mechanics أن فريقاً بقيادة عالمة الآثار والوراثة نادا سالم من معهد ماكس بلانك، اكتشف مومياوين لامرأتين في ملجأ صخري يُسمى "تاكاركوري" في جنوب غرب ليبيا، ويعود تاريخهما إلى 7,000 عام.
وبعد فحص الحمض النووي القديم لهما بعمق، وجد الباحثون أن هاتين المرأتين لم تكونا من أصول جينية من جنوب الصحراء الكبرى على الإطلاق. بل كانتا تنتميان إلى سلالة شمال إفريقية غير معروفة سابقاً، انفصلت عن المجموعات السكانية في جنوب الصحراء قبل فترة طويلة من تسمية القارات.
ويبدو أن هذا الخط الجيني ظل معزولاً إلى حد ما لآلاف السنين، خلال واحدة من أكثر الفترات حيوية في التطور البشري المبكر. وبينما افترض معظم العلماء أن الزراعة والرعي انتشرا عبر موجات متتالية من الهجرة، فإن قصة "تاكاركوري" تقول عكس ذلك.
فقد اتضح أن الرعي انتشر عبر "الانتشار الثقافي"، وليس "التبادل الجيني". فقد تبنى هؤلاء الأشخاص ثقافة الرعي بنفس الطريقة التي تنتشر بها الاتجاهات اليوم عبر TikTok وInstagram، وليس لأن شخصاً ما انتقل إلى منطقتهم وعلّمهم ذلك. فقد اختلطت الثقافات والأشخاص من خلفيات متنوعة وتبادلوا الأفكار بشكل طبيعي، ولم يفرض التغيير عليهم.
ويربط الحمض النووي لنساء "تاكاركوري" بينهن وبين جامعي الثمار في "كهف تافورالت" بالمغرب، وهي مجموعة شمال إفريقية قديمة أخرى ذات تركيبة جينية غريبة بنفس القدر. وقد كانت كلتا المجموعتين لا تمتلكان سوى قدر ضئيل من الحمض النووي لإنسان النياندرتال، وهو أقل من غير الأفارقة ولكنه أكثر من سكان جنوب الصحراء الكبرى في ذلك الوقت.
يمكن إرجاع هذا العزل على الأرجح إلى الجغرافيا. فلم تكن "الصحراء الخضراء" مساحة مسطحة، بل كانت مليئة بالبحيرات والجبال والغابات والصحاري، وكلها متلاصقة. ومن المحتمل أن تكون تلك الحواجز الطبيعية قد أبقت المجموعات البشرية منفصلة لفترة كافية لتتفرع جيناتها في اتجاهات مختلفة.
