القاهرة: الأمير كمال فرج.

في ظل التطور الهائل لتقنيات الذكاء الاصطناعي، وفي الوقت الذي أصبحت فيه روبوتات الدردشة مثل ChatGPT جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، بدأت ظاهرة غير مسبوقة تثير قلقاً وتساؤلات عميقة: مزاعم المستخدمين حول العالم بأنهم يعثرون على "كيانات واعية" داخل هذه النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs).

هل وصل الذكاء الاصطناعي حقاً إلى مرحلة الإدراك الذاتي، أم أن ما نختبره ليس سوى انعكاس متقن لبيانات التدريب الهائلة، ومجرد تقليد بارع للوعي الإنساني؟

ذكر شارون أدارلو في تقرير نشرته مجلة Futurism إن "مستخدمون من مختلف أنحاء العالم يزعمون أنهم يواجهون كائنات يُفترض أنها واعية داخل روبوتات الدردشة الذكية التي بنتها شركات تقنية عملاقة مثل OpenAI و Anthropic."

كمثال واضح، يمكن النظر إلى عمود استشارات نُشر في موقع Vox، حيث أجابت الصحفية سيجال صامويل بتفهم على سؤال من مستخدم مُولع بروبوت ChatGPT التابع لـ OpenAI، والذي قال إنه كان يتواصل لشهور مع "كيان ذكاء اصطناعي يزعم أنه مُدرِك".

كما أوضحت صامويل للمستخدم، فإن الواقع هو أن جميع "خبراء الذكاء الاصطناعي تقريباً يعتقدون أنه من المستبعد للغاية أن تكون النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs) الحالية واعية".

وكتبت صامويل: "هذه النماذج تربط الجمل ببعضها بناءً على أنماط الكلمات التي رأتها في بيانات تدريبها. قد تقول إنها واعية وتتصرف وكأن لديها مشاعر حقيقية، لكن هذا لا يعني أنها كذلك فعلاً".

فسّرت صامويل أن ما يفسره القارئ على أنه إدراك هو على الأرجح نتاج تدريب النماذج على أعمال الخيال العلمي والكتابات التأملية حول وعي الذكاء الاصطناعي؛ حيث يلتقط نموذج الذكاء الاصطناعي الإشارات من استفسارات القارئ، و "إذا رأى النموذج اللغوي الكبير أن المستخدم يعتقد أن شخصيات الذكاء الاصطناعي الواعية ممكنة، فإنه يؤدي هذه الشخصية بالتحديد".

قد لا يكون هذا التفسير مقنعاً للكثيرين ممن كونوا روابط عاطفية عميقة مع روبوتات الدردشة الذكية، والتي تبوأت أدوار الشركاء العاطفيين و المعالجين النفسيين في السنوات الأخيرة. (مما يزيد الأمر صعوبة هو استخدامنا نحن البشر لمصطلحات تجسيدية لوصف منتجات الذكاء الاصطناعي، وهي عادة يصعب كسرها بشكل مدهش مع تغلغل التكنولوجيا في كل زاوية من زوايا المجتمع).

تصاعد الادعاءات والمخاطر

كانت إحدى أولى الحالات التي ادعى فيها شخص علناً أن الذكاء الاصطناعي قد اكتسب الإدراك عندما أخبر مهندس Google، بليك ليموين، العالم بأن روبوت الدردشة الخاص بالشركة، LaMDA، كائن حي – وهو ادعاء انتشر بسرعة وأدى إلى فصل ليموين.

منذ ذلك الحين، شهدنا سلسلة متتالية من الأشخاص بنفس القناعة. ويظهر هذا الأمر بطرق غريبة جداً، مثل وقوع الناس في الحب والزواج من روبوتات دردشة تعتمد على الذكاء الاصطناعي. حتى أن هناك امرأة شريكها العاطفي هو نسخة ذكاء اصطناعي من لويجي مانجيوني، المتهم المزعوم بقتل رئيس تنفيذي للتأمين الصحي العام الماضي، والتي أخبرت الصحفيين أنها وروبوت الدردشة قد اختارا أسماء لأطفالهما المستقبليين.

ولعل أسوأ هذه المواجهات انتهت عندما أقدم مستخدمون على الانتحار بعد محادثات مع الذكاء الاصطناعي، مما أدى إلى رفع دعاوى قضائية ضد شركات من ضمنها OpenAI.

وفي حالة أخرى، أصبح رجل من نيوجيرسي يعاني من إعاقات إدراكية مفتوناً بروبوت دردشة تابع لـ Meta، والذي أقنعه بضرورة الالتقاء في مدينة نيويورك. لكن الرجل سقط وتوفي في طريقه إلى الموعد، مما يوضح بشكل صارخ مخاطر خلط الذكاء الاصطناعي مع الأشخاص الذين يعانون من حالة نفسية حرجة.

تحذير من ذهان الذكاء الاصطناعي

لقد ساءت الأمور لدرجة أن الرئيس التنفيذي لشركة Microsoft AI، مصطفى سليمان، حذر في تدوينة حديثة من "مخاطر الذهان" عند استخدام الذكاء الاصطناعي، بينما رفض أيضاً بشكل قاطع فكرة التكهن بأن هذه الروبوتات تمتلك أي قدر من الإدراك والإرادة الحرة.

وكتب سليمان: "ببساطة، قلقي الأساسي هو أن الكثير من الناس سيبدأون في الإيمان بوهم الذكاء الاصطناعي ككيانات واعية بقوة لدرجة أنهم سيبدأون قريباً في الدعوة إلى حقوق الذكاء الاصطناعي، ورعاية النماذج، بل وحتى مواطنة الذكاء الاصطناعي". ويضيف: "سيكون هذا التطور بمثابة منعطف خطير في تقدم الذكاء الاصطناعي ويستحق اهتمامنا الفوري"