القاهرة: الأمير كمال فرج.
بينما يراها البعض مجرد وقود للتركيز وزيادة الإنتاجية، يرى آخرون في القهوة طقساً يومياً وعادة اجتماعية عميقة. ولكن، هل يمكن لهذه العادة أن تكون مؤشراً حقيقياً لمدى نجاحك؟ هذا هو السؤال الذي أثارته رئيسة تنفيذية شهيرة، التي جادلت بأن التباطؤ أمام منضدة الباريستا يكشف عن ضعف في اتخاذ القرار وربما نقص في الوعي الذاتي.
ذكر أوتم سوييرز في تقرير نشره موقع Tastingtable إن " قاموس كامبريدج يعرّف الشخص "المخالف أو المناقض contrarian بأنه شخص يستمتع بـ "التعبير عن آراء غير شائعة". وهذا المفهوم متأصل في الجدل، ولهذا لم يكن مفاجئاً أن تثير الرئيسة التنفيذية لشركة Contrarian Thinking، كودي سانشيز، ضجة كبيرة بسبب رأي مثير للجدل حول القهوة شاركته في مقابلة بودكاست".
مقياس الرصيد المصرفي و"عقدة النرجسية"
في مقطع من المقابلة، نشر على حساب @goated.quotes على TikTok ، تقول سانشيز إنها تستطيع معرفة مدى نجاح شخص ما من خلال طريقة طلبه للقهوة. وتضيف الرئيسة التنفيذية: "أرني كم من الوقت تستغرق للطلب عند المنضدة، وسأريك رصيدك المصرفي".
تروي سانشيز واقعة حدثت معها مؤخراً في مقهى، عندما استغرقت سيدة كانت تتقدمها وقتاً مبالغاً فيه لوضع طلبها. وتفترض سانشيز أن سرعة الطلب هي مؤشر مباشر على كفاءة الفرد في اتخاذ القرارات، بل وتصل إلى استنتاج مفاده أن المتباطئين في طلب قهوتهم "لا يبالون بإزعاج من حولهم، الأمر الذي يدل على وعي ذاتي محدود قد يصل إلى حد النرجسية".
وبغض النظر عن قسوة هذه التحليلات المُتسرعة، فإن موقف سانشيز يرفع ضمنياً من قيمة سرعة اتخاذ القرار كمؤشر أساسي للنجاح. في المقابل، قدمت أبرز التعليقات على مقطع TikTok (الذي حظي بأكثر من 1700 إعجاب) وجهة نظر مناقضة، حيث ذكر أحدهم: "يمكنني أن أجادل بالعكس تماماً. فالأشخاص الذين لديهم المال حريصون على اتخاذ القرارات، ويريدون دائماً اتخاذ القرار الصحيح، حتى فيما يتعلق بالقهوة ربما" ومع ذلك، تصر سانشيز على أن استغراق كل هذا الوقت في أمر بسيط مثل طلب القهوة يكشف الكثير عن شخصية العميل.
القهوة ليست تحليلاً للأداء المهني
قبل أن نتعمق في مدى صحة هذا الرأي المثير، يجب أن تعلم أنني باريستا (صانع قهوة) سابق ولدي خبرة تتجاوز الخمس سنوات. وبصفتي المشرف الرئيسي في مقهى يقع في بلدة جامعية وذو إقبال كبير، قمت شخصياً بإعداد المئات، إن لم يكن الآلاف، من مشروبات الإسبريسو وواجهت عدداً مماثلاً من العملاء لأطرح عليهم السؤال المعتاد: "بماذا يمكنني أن أخدمك اليوم؟"
يمكنني أن أقول إن طلاب الجامعة الأكثر ثراءً كانوا يتجاهلون باستمرار ترك أي "بقشيش" لي ولزملائي—وهو سلوك كشف بوضوح عن شريحة والديهم الضريبية، وكذلك عن أن طالب الطلب لم يعمل شخصياً في قطاع الخدمات الغذائية من قبل. وبصرف النظر عن عدم ترك الإكرامية، فإن المشروب الفعلي الذي يطلبه الزبون لم يكشف إلا القليل عن جوهر شخصيته.
قد يكون من المعقول الافتراض أن العميل الذي يطلب "لاتيه بالبندق والشوكولاتة البيضاء" قد يفضل المذاق الحلو، أو أن زبوناً يطلب "عين حمراء" (قهوة سوداء مع جرعة إسبريسو إضافية) هو شخص متعب. ومع ذلك، بخلاف هذه الدلالات البسيطة، فإن افتراض فهم الجدارة المهنية لشخص غريب بناءً على طلبه للمشروب يبدو وكأنه استعراض غريب ومزعج يعكس عقدة التفوق. ومن الجدير بالذكر أن حقيقة صدور هذا الرأي عن رئيس تنفيذي لا تثير دهشة هذا الكاتب الذي كان باريستا في السابق.
الطلب بسرعة هو مجاملة للآخرين، لكن ليس عليك الشعور بالخجل من التأكد من حصولك على ما تريد
لياقة الطلب وحق العميل في السؤال
ومع ذلك، سيكون من الخطأ تجاهل صحة جوانب من موقف سانشيز الذي يدعو إلى الكفاءة. من منظور العاملين في المجال، لا يوجد ما هو أسوأ من العميل الذي يقضي وقته بالكامل في الوقوف في الطابور وهو يحدق في هاتفه ويصبح عاجزاً عن اتخاذ القرار عند وصوله إلى الكاشير. بالفعل، يجب على الأشخاص أن يكونوا قد حددوا طلبهم وجاهزين للمغادرة بحلول وقت وصول دورهم، خاصة في الأيام المزدحمة عندما يكون الطابور طويلاً.
ومع ذلك، في عصر التكنولوجيا، حيث تم تحويل معظم جوانب الحياة البشرية الطبيعية إلى سرعة "الطلب عند الحاجة on-demand speed، وغرقت أكثر في الفردية وتمت مكافأتها بعقلية الإنجاز ("يجب أن تفعل المزيد، يجب أن تكون أكثر، بأسرع ما يمكن")، قد يحتاج الناس إلى إعادة تعلم درجة من الصبر واللياقة تجاه جيرانهم.