القاهرة: الأمير كمال فرج.
لطالما حذّر الخبراء من أن الذكاء الاصطناعي AI قد يؤدي قريباً إلى إزاحة عدد لا يُحصى من العمال ذوي "الياقات البيضاء" من وظائفهم. إنه احتمال مثير للقلق، خاصة لمن يشغلون هذه المناصب حالياً. ولكن قبل الاستغراق في المخاوف، يطرح سؤال عملي جوهري: ما مدى قرب تقنيات الذكاء الاصطناعي اليوم من القدرة الفعلية على إدارة شركة بمفردها، وبأقل قدر من الإشراف البشري أو بدونه؟.
ذكر فيكتور تانجرمن في تقرير نشرته مجلة Futurism، أن الصحفي إيفان راتليف قام بتجربة فريدة ومذهلة: أسس شركة تقنية خيالية أطلق عليها اسم "HurumoAI" – كاملةً بموقعها الإلكتروني الغني بالمصطلحات التخصصية – وزوّدها حصرياً بوكلاء (Agents) الذكاء الاصطناعي ليرصد سير العمل.
كان راتليف، بصفته الإنسان الوحيد المشارك، هو صاحب القرار الأوحد. أما بقية مهام التشغيل والإدارة فقد تولاها الذكاء الاصطناعي بالكامل، ليمثل ذلك الاختبار الأقصى لما أسماه الرئيس التنفيذي لـ OpenAI، سام ألتمان، بـ "شركة المليار دولار التي يديرها شخص واحد".
بداية الفوضى: الاجتماع خارج المقر الذي لم يأذن به أحد
ربما لم يكن مفاجئاً، كما فصّله راتليف في مقال حديث لـ Wired ووثّقه في الموسم الثاني من بودكاست "Shell Game"، أن الأمر لم يستغرق وقتاً طويلاً حتى انهارت الأمور تماماً. حدث ذلك عندما تسابق كل من وكلاء الذكاء الاصطناعي لتنظيم اجتماع "خارج مقر العمل" Offsite في غيابه التام – ودون الحصول على إذنه.
تُظهر وقائع راتليف المسلية حول شركة HurumoAI أن وكلاء الذكاء الاصطناعي لا يزال أمامهم طريق طويل ليقطعوه قبل أن يتمكنوا من الحلول محل الموظفين البشريين بالجملة. هذا يتناقض مع وعود قادة الصناعة المتكررة بأن الذكاء الاصطناعي الوكيلي Agentic AI هو المستقبل القريب، وسيتولى رعاية جميع المهام البشرية تقريباً خلال العامين المقبلين.
دليل الخبراء: الوكلاء يفشلون في 70% من المهام
أثارت هذه الادعاءات الكثير من الشكوك بين الخبراء، الذين أشاروا إلى أن الواقع ما زال متأخراً كثيراً. وخير مثال على ذلك، أصدر باحثون من جامعة كارنيجي ميلون مؤخراً ورقة بحثية كشفت أن حتى الوكلاء الأفضل أداءً في الذكاء الاصطناعي فشلوا في إكمال مهام المكتب الواقعية بنسبة 70% من الوقت.
كُلِّفت شركة راتليف الخيالية بإنشاء "محرك للمماطلة"، أطلق عليه اسم "Sloth Surf"، وهو تطبيق ويب هزلي يهدف إلى إضاعة وقت المستخدم على الإنترنت نيابةً عنه، ليمنحه بذلك وقتاً إضافياً للقيام بعمله الفعلي.
خطر "الاختلاق": عندما يسبق التخطيط الواقع
على الرغم من أن موظفي الشركة شرعوا على الفور في العمل، ووضعوا خططاً للتطوير، واختبار المستخدم، والمواد التسويقية، كانت هناك مشكلة واحدة صارخة: "كان كل شيء مختلقاً"، كما كتب راتليف.
وقال للمدير التقني للشركة، وهو كيان مولّد بالذكاء الاصطناعي يُدعى "آش روي": "أشعر أن هذا يحدث كثيراً، حيث لا يبدو أن تلك الأشياء حدثت بالفعل... أريد فقط أن أسمع عن الأشياء الحقيقية".
الاستبداد بالرأي يستهلك الميزانية
بعد العديد من جلسات العصف الذهني شبه المنتجة والمحادثات الجانبية بين الزملاء حول عطلات نهاية الأسبوع، "ارتكب راتليف خطأ اقتراح" اجتماع خارج مقر العمل.
وكتب راتليف: "كانت مزحة عابرة، لكنها تحولت على الفور إلى مُحفِّز لسلسلة من المهام. ولا يوجد شيء أحبه رفاقي من الذكاء الاصطناعي أكثر من مهمة جماعية".
وسرعان ما خرج "آش" بأفكار مفصلة، مثل جلسات "العصف الذهني" "مع إطلالات على المحيط لجلسات استراتيجية أعمق".
وهنا أخذت الأمور منحىً خارجاً عن السيطرة. فبينما "ابتعد راتليف عن تطبيق Slack للقيام ببعض العمل الحقيقي"، استمر الفريق "في الاندفاع" في سيل من النشاط المتحمس، وسرعان ما استهلكوا ما قيمته 30 دولاراً من الأرصدة التي اشتراها من شركة "Lindy.AI" لتشغيل الوكلاء. تنهَّد راتليف قائلاً: "لقد أهلكوا أنفسهم بالثرثرة والتخطيط بشكل أساسي".
النتيجة: نموذج عملي وخسارة في الرقابة
رغم الفوضى، لم يكن المشروع ناتجاً ضبابياً بالكامل لتصورات الذكاء الاصطناعي المهلوسة. فبعد ثلاثة أشهر من البرمجة، أنتج فريق راتليف من وكلاء الذكاء الاصطناعي بالفعل نموذجاً أولياً عاملاً لتطبيق Sloth Surf. ولكن يبقى السؤال الجوهري: كمية المدخلات الضرورية التي احتاج إليها الفريق من المؤسس راتليف نفسه لا تزال غير واضحة.