القاهرة: الأمير كمال فرج.
يشهد الاقتصاد الحالي ازدهاراً كبيراً لشركات التكنولوجيا، وخاصة تلك التي تضخ الأموال في مجال الذكاء الاصطناعي. ومع أن هذه الشركات هي الوحيدة التي تبدو وكأنها تحقق نجاحاً حقيقياً في ظل انخفاض معدلات الأرباح المؤسسية ومخاوف الركود، فإن هذا الازدهار يتم على حساب تدهور مريع في ظروف العاملين. فبينما يَعِد قادة الصناعة بـ "مدينة فاضلة" تقودها الآلة، نجد أن هذه الشركات الرائدة تعامل موظفيها، وخاصة المتعاقدين منهم، بـ"إذلال" وتخفيض للأجور، مما يطرح تساؤلات جدية حول ما إذا كانت هذه المعاملة القاسية هي الإشارة لما ينتظر بقية القوى العاملة في المستقبل القريب.
يُشير تقرير نُشر في مجلة Futurism إلى أنه "رغم تقديرات أحد الاقتصاديين بأن شركات التكنولوجيا ساهمت بنسبة 92% من نمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي في النصف الأول من عام 2025، إلا أن هذا الازدهار لا ينعكس على قوائم موظفيها التي تتناقص بمعدلات مقلقة." على سبيل المثال، قامت شركة أمازون مؤخراً بتسريح 14 ألف موظف إداري، على الرغم من تحقيقها أرباحاً بمليارات الدولارات في عدة قطاعات. وفي شهر أكتوبر الماضي، شكّل العاملون في قطاع التكنولوجيا أعلى نسبة تسريحات في أي صناعة، مما جعل ذلك الشهر من أسوأ الشهور من حيث الإجازات الإجبارية منذ عام 2003.
هذا الواقع يتناقض بشكل مباشر مع وعود صناعة الذكاء الاصطناعي – على لسان سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI – بالدخول إلى "عالم يزدهر فيه البشر إلى درجة قد يستحيل على أي منا تصورها بالكامل بعد".
خفض الأجور والوظائف المؤقتة
للأسف، يبدو أن دوامة التسريحات لم تنته بعد. ففي تقرير حديث لـ Business Insider، أعلنت شركة Mercor لتدقيق بيانات الذكاء الاصطناعي، والتي لديها عقود ضخمة مع شركات مثل OpenAI وAnthropic، عن إغلاق مفاجئ لمشروع ضخم مع شركة Meta. هذا المشروع، المسمى Musen، كان يوظف نحو 5000 عامل لتصنيف البيانات في ذروته، وكان من المتوقع أن يستمر حتى عام 2026 على الأقل.
قال أحد المتعاقدين للصحيفة: "لقد ظلوا يؤكدون مدى سعادة العميل وكيف تم تمديد العقد حتى نهاية العام... لذا فإن هذا التغيير الكبير قبل العطلات فاجأ الجميع."
عرضت "ميركور" على هؤلاء العمال استئناف العمل في مشروع مشابه للغاية يُدعى Nova، لكن الفارق الرئيسي يكمن في الأجر. فبينما كان الأجر الأساسي لمشروع Musen هو 21 دولاراً في الساعة، يبدأ عرض "نوفا" بـ 16 دولاراً فقط.
في رسائل العرض، بررت الشركة فرق الأجر بـ "استقرار مهام العمل عبر محتوى الوسائط المتعددة" و "حدود عليا أعلى لساعات العمل، مما يتيح المزيد من الانخراط الأسبوعي". وبعبارة أخرى، سيعمل مصنفو البيانات – الذين يعانون أصلاً من تحول الوظائف المستقرة إلى عقود مؤقتة – لساعات أطول مقابل أجر أقل.
أوضح أحد الموظفين الذين قبلوا عقد "نوفا" أن العمل هو نفسه تقريباً، "ولكن مقابل 5 دولارات أقل في الساعة". وأضاف: "يبدو أن معظمنا في نفس القارب. أردنا مقاطعة هذا العرض لكن وضعنا المالي لا يسمح بذلك. كنا بحاجة إلى الدخل المضمون، حتى لو كان محبطاً ومزرياً."
هل "اليوتوبيا" الآلية مصيرها الإذلال؟
تؤكد هذه الواقعة على الوعود الكاذبة التي يقوم عليها ازدهار الذكاء الاصطناعي، فالوظائف تتدهور، وأعداد "العمال المستقلين" في تزايد، والأرباح الناتجة عن الذكاء الاصطناعي تكاد تكون معدومة، وصعود وول ستريت لا يرفع قوارب الجميع. إذا كانت أقوى الشركات في العالم تعامل عمالها بهذه الطريقة الآن، فلماذا تكون "المدينة الفاضلة" للذكاء الاصطناعي، كما يسميها ساتيا ناديلا الرئيس التنفيذي لـ Microsoft، مختلفة؟ إذا لم يكن من المتوقع أن تهتم الشركات الرائدة في "الثورة التكنولوجية" المزعومة بموظفيها، فما هو الأمل المتبقي لبقيتنا؟