القاهرة: الأمير كمال فرج.
كان التطور البشري وتاريخ أصولنا السحيقة من أكثر المواضيع العلمية التي تثير الجدل والاهتمام على حدٍ سواء. فمنذ عقود، سيطرت فكرة أن البشر المعاصرين تطوروا بمعزل عن الأشكال البشرية القديمة، مثل إنسان النياندرتال، على الأوساط الأكاديمية.
وإنسان النياندرتال هو أقرب أقرباء البشر المنقرضين. كان نوعاً من البشر القدامى ينتمي إلى نفس الجنس الذي ننتمي إليه (جنس هومو)، وعاش في مناطق شاسعة من أوروبا وأجزاء من غرب ووسط آسيا.
في السنوات الأخيرة، شهد مفهوم الانعزال التام هذا تحولاً جذرياً بفضل التقدم الهائل في تحليل الجينوم القديم. بدأت الأدلة الجينية تشير بقوة إلى وقوع تزاوج بين الأنواع، مما يعني أن تاريخنا التطوري كان أكثر تشابكاً وتعقيداً مما كنا نتصور. لقد كشفت هذه الأبحاث عن أن آثار الحمض النووي DNA لإنسان النياندرتال لا تزال موجودة في جينومات العديد من البشر المعاصرين، وهو ما يفتح الباب أمام أسئلة أعمق حول طبيعة التفاعلات التي جرت بين أسلافنا وأقربائهم المنقرضين.
الرواية التي أصبحت حقيقة علمية
وفقا لشارون أدالو في تقرير نشره في مجلة Futurism "عندما نشرت الكاتبة جين م. أويل روايتها الأكثر مبيعاً "قبيلة دب الكهف The Clan of the Cave Bear" في عام 1980، وضعت فكرة اعتبرت حينها محل شك وهي أن أسلافنا الأوائل تزاوجوا مع إنسان النياندرتال، وهو أقرب أقربائنا في شجرة التطور البشري، في عصور ما قبل التاريخ السحيقة".
كانت هذه الفكرة مثيرة للجدل حينذاك، لكن دراسة أجريت عام 2010 على جينوم إنسان النياندرتال كشفت لاحقاً عن أدلة تؤكد صحة فرضيتها: حيث تنتشر آثار من حمض النياندرتال النووي في جميع أنحاء جينومنا، ما يشير إلى علاقة "رومانسية"—أو ربما غزو واغتصاب.
🔬 التقبيل كسمة تطورية قديمة
والآن، تسلط دراسة جديدة قادتها جامعة أكسفورد ونشرت في مجلة التطور والسلوك البشري Evolution and Human Behavior المزيد من الضوء على هذا اللغز، وتصل إلى استنتاج مثير: من المرجح جداً أن البشر وإنسان النياندرتال تبادلوا القُبل.
جمع الفريق بيانات رصد من الرئيسيات المعاصرة في إفريقيا وأوروبا وآسيا التي شوهدت وهي تتبادل القُبل، مثل الشمبانزي، وإنسان الغاب (الأورانغوتان)، والبونوبو، ثم تعاملوا مع فعل التقبيل كـسمة تطورية، واستخدموا النمذجة الإحصائية البيزية (Bayesian statistical modeling) لنمذجة سلوك التقبيل في شجرة عائلة أسلاف الرئيسيات.
واكتشف الباحثون أن التقبيل كان ممارسة قديمة بين القردة الكبيرة، وقد ظهرت لأول مرة منذ حوالي 20 مليون سنة. ووجدوا أن من بين هؤلاء الأقارب الذين كانوا يتبادلون القُبل كان إنسان النياندرتال.
تبادل اللعاب يرجح "اللمسة الرومانسية"
يشير الباحثون إلى أن هذا الاكتشاف يكتسب أهمية خاصة، بالنظر إلى دراسة سابقة وجدت أن البشر وإنسان النياندرتال يتشاركون الميكروبات الفموية الشائعة—وهو ما يرجحون أنه حدث نتيجة تبادل اللعاب.
وقالت ماتيلدا بريندل، المؤلفة الرئيسية للدراسة وعالمة الأحياء التطورية في أكسفورد، لصحيفة The Guardian: "من المحتمل أنهم كانوا يتبادلون القُبل، وهذا بالتأكيد يضيف لمسة أكثر رومانسية للعلاقات بين البشر والنياندرتال."
وأضافت: "حقيقة أن البشر يتبادلون القُبل، وحقيقة أننا أظهرنا الآن أن النياندرتال من المرجح جداً أنهم كانوا يفعلون ذلك أيضاً، تشير إلى أن النوعين [البشري والنياندرتالي] من المرجح أيضاً أنهما تبادلا القُبل."
وفقاً للورقة البحثية، يُعد التقبيل عملاً يكشف عن نقاط ضعف، وربما ساعد أسلافنا في تقييم الصحة البدنية لشريك محتمل. من هنا، يمكننا أن نقفز بخيالنا لنتصور أن الرومانسية كانت تملأ الأجواء بيننا وبين أقربائنا المنقرضين—وهي قصة، على الرغم من فشل الاقتباس السينمائي الهوليودي لرواية "قبيلة دب الكهف" عام 1986، تظل بلا شك قصة مثيرة تستحق أن تكون عملاً ضخماً.