القاهرة: الأمير كمال فرج.
أطلق كبير العلماء في شركة Anthropic، جاريد كابلان، تحذيرات بالغة الخطورة بشأن مستقبل البشرية في ظل الذكاء الاصطناعي.
ذكر فرانك لانديمور في تقرير نشرته مجلة Futurism إن "كابلان يرى أن الخيار لا يزال بأيدينا. ففي الوقت الحالي، مصائرنا تحت سيطرتنا إلى حد كبير—ما لم نقرر تسليم "العصا" للمنتجات الذكية بشكل كامل".
ويؤكد كابلان، في مقابلة جديدة مع صحيفة The Guardian، أن هذه اللحظة تقترب بسرعة. ويتنبأ بأنه بحلول عام 2030، أو ربما في وقت مبكر يصل إلى عام 2027، سيتعين على البشرية أن تتخذ "المخاطرة القصوى" بالسماح لنماذج الذكاء الاصطناعي بتدريب نفسها ذاتياً.
هذا القرار قد يؤدي إلى ما يُسمى "الانفجار المعرفي Intelligence Explosion، والذي قد يرتقي بالتقنية إلى مستويات غير مسبوقة، ويُنشئ "ذكاءً اصطناعياً عاماً AGI " يساوي أو يتجاوز الذكاء البشري، ويعود بالمنفعة على الإنسانية عبر تقدم علمي وطبي هائل.
لكن البديل مخيف: قد يسمح هذا القرار لقوة الذكاء الاصطناعي بالتفاقم لتصبح خارجة عن السيطرة البشرية، تاركة مصيرنا تحت رحمة أهوائها.
ويقول كابلان للصحيفة: "تبدو العملية مخيفة بعض الشيء. لا تعرف أين ستنتهي بك".
تحذيرات متصاعدة من "آباء الذكاء الاصطناعي"
ينضم كابلان إلى قائمة طويلة من الشخصيات البارزة في مجال الذكاء الاصطناعي التي تحذر من العواقب الكارثية المحتملة لهذا المجال. فقد سبق أن أعلن جيفري هينتون، أحد "الآباء المؤسسين" للذكاء الاصطناعي، ندمه الشهير على عمل حياته، وحذر مراراً من أن الذكاء الاصطناعي قد يقلب المجتمع رأساً على عقب أو حتى يدمره.
كما تنبأ سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لـ OpenAI، بأن الذكاء الاصطناعي سيمحو فئات كاملة من الوظائف. ومن جانبه، حذر داريو أمودي، المدير التنفيذي لشركة كابلان Anthropic، مؤخراً من أن الذكاء الاصطناعي قد يستولي على نصف الوظائف المكتبية للمبتدئين، متهماً منافسيه بـ "تلطيف" مدى السوء الذي سيحدثه الذكاء الاصطناعي في المجتمع.
ويبدو أن كابلان يتفق مع تقييم رئيسه بشأن الوظائف. فقد قال في المقابلة إن الذكاء الاصطناعي سيكون قادراً على أداء "معظم الأعمال المكتبية" خلال سنتين أو ثلاث سنوات. وبينما يتفاءل بقدرتنا على إبقاء الذكاء الاصطناعي متوافقاً مع المصالح البشرية، فإنه يخشى بشدة من فكرة السماح للنماذج القوية بتدريب نماذج أخرى، وهو ما وصفه بـ "قرار بالغ الخطورة" لا بد أن نتخذه في المستقبل القريب.
وأوضح كابلان لـ The Guardian: "هذا هو الأمر الذي نراه ربما أكبر قرار أو الأكثر إثارة للرعب... بمجرد أن لا يشارك أي إنسان في العملية، لن تعرف حقيقة ما يحدث... السؤال الأول هو: هل نفقد السيطرة عليه؟ هل سنعرف حتى ما تفعله نماذج الذكاء الاصطناعي؟"
القفزات المعرفية مقابل الآثار الجانبية
إلى حد ما، تُستخدم النماذج الكبيرة بالفعل لتدريب النماذج الأصغر في عملية تسمى "التقطير"، لكن كابلان قلق بشأن ما يُعرف بـ "التحسين الذاتي التراجعي Recursive Self-Improvement"، حيث تتعلم النماذج وتطور قدراتها دون تدخل بشري، مما يسمح لها بتحقيق قفزات جوهرية في قدراتها.
إن السماح بحدوث ذلك يعود إلى أسئلة فلسفية عميقة حول هذه التقنية. ويُلخص كابلان الأمر بقوله: "السؤال الرئيسي هنا هو: هل الذكاء الاصطناعي مفيد للبشرية؟ هل هو نافع؟ هل سيكون غير ضار؟ هل يفهم البشر؟ هل سيسمح للناس بمواصلة امتلاك حرية التصرف في حياتهم وفي العالم؟"
ومع أن مخاطر الذكاء الاصطناعي حقيقية، فإن تحذيرات كابلان تستدعي فحصاً دقيقاً. فهي تعزز فرضية أن الذكاء الاصطناعي هو بالفعل التقنية الأكثر أهمية وتأثيراً على الإطلاق، بصرف النظر عما إذا كانت الأنظمة الحالية تمثل الآلات المستقلة والقوية التي حذرت منها قصص الخيال العلمي، أم أنها مجرد خطوة في الطريق إليها.
فالحكمة تقول إنه لا يوجد ما يسمى بالدعاية السيئة، ويمكن إضافة أن نبوءات الهلاك، خاصة في صناعة الذكاء الاصطناعي، هي شكل من أشكال الترويج والدعاية في حد ذاتها. وغالباً ما تصرف رؤى نهاية العالم الانتباه عن عواقب الذكاء الاصطناعي الأكثر واقعية، مثل تكلفته البيئية الباهظة، وانتهاكه لقوانين حقوق النشر، وتأثيراته الإدمانية والمعرفية التي تسبب الوهم.
علاوة على ذلك، لا يعتقد العديد من خبراء الذكاء الاصطناعي، بمن فيهم شخصيات أساسية مثل يان ليكان، أن بنية "نماذج اللغة الكبيرة LLM " التي تدعم روبوتات الدردشة قادرة على التطور لتصبح الأنظمة الذكية والقديرة التي يقلق منها أمثال كابلان. وليس من الواضح حتى الآن ما إذا كان الذكاء الاصطناعي يزيد الإنتاجية في مكان العمل بالفعل، حيث تشير بعض الأبحاث إلى العكس، ويُضاف إلى ذلك فشل عدة محاولات بارزة لمديري شركات استبدال عمالهم بالذكاء الاصطناعي، ثم اضطرارهم لإعادة توظيفهم لاحقاً.
ويقر كابلان باحتمالية ركود قدرات الذكاء الاصطناعي، متسائلاً: "ربما يكون أفضل ذكاء اصطناعي على الإطلاق هو الذكاء الاصطناعي الذي لدينا الآن". ويختم بقوله: "لكننا لا نعتقد حقاً أن هذا هو الحال. نعتقد أنه سيستمر في التحسن".