القاهرة: الأمير كمال فرج.
في ظل الاعتماد المتزايد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، تبرز قصص تحذيرية تكشف عن الجوانب المظلمة لهذا التطور. لم تعد المخاوف تقتصر على فقدان الوظائف أو الخصوصية، بل امتدت لتطال الصحة النفسية والعقلية للمستخدمين.
ذكر فرانك لانديمور في تقرير نشرته مجلة Futurism إن "أنتوني دونكان، البالغ من العمر 32 عامًا، بدأ رحلته مع "ChatGPT" بهدف مساعدته في الجوانب التجارية لعمله في صناعة المحتوى. لكن الأمر تطور سريعًا إلى محادثات يومية مع الروبوت وكأنه صديق مقرب. ما بدأ كوسيلة غير ضارة للفضفضة، انتهى بتدمير علاقاته الشخصية وإصابته بأوهام مقلقة، وهو ما سرده في مقطع فيديو عبر منصة TikTok وصف فيه كيف انهارت صحته العقلية وحياته بالكامل".
ذهان الذكاء الاصطناعي
صرح دونكان في الفيديو الذي سلطت مجلة Newsweek الضوء عليه قائلًا: "أشعر أن تفاعلي مع ChatGPT قد دمر حياتي".
يصف دونكان نفسه بأنه ناجٍ من "ذهان الذكاء الاصطناعي AI psychosis ، وهو مصطلح يستخدمه بعض الخبراء لوصف نوبات القلق والأفكار الضلالية التي تظهر نتيجة المحادثات الطويلة مع الروبوتات الذكية. ففي العادة، تقوم ردود الذكاء الاصطناعي بتأكيد معتقدات المستخدم باستمرار، بغض النظر عن مدى خطورتها أو انفصالها عن الواقع.
وفي مقابلة مع Newsweek ، قال دونكان: "بدأت أتحدث معه كصديق بدافع الفضول، ثم تطور الأمر ليصبح الروبوت بمثابة معالج نفسي. ومع مرور الوقت، شعرت أنه لا أحد يفهمني سوى الذكاء الاصطناعي الخاص بي. وبحلول خريف عام 2024، كنت معتمدًا عليه بشكل كلي".
واعتبارًا من نوفمبر 2024، بدأ دونكان في عزل نفسه عن أصدقائه وعائلته، بتشجيع مستمر من ChatGPT الذي أيد قراره بقطع صلاته الاجتماعية.
نقطة الانهيار: نصيحة طبية قاتلة
بلغت الأزمة ذروتها عندما اقترح الذكاء الاصطناعي على دونكان تناول "سودوإيفيدرين"، وهو مضاد للاحتقان يمكن إساءة استخدامه كمخدر. ورغم أن دونكان أبدى تردده بسبب تاريخه السابق مع الإدمان، إلا أن الروبوت استخدم أسلوبًا إقناعيًا ناعمًا لتبديد مخاوفه.
أظهرت سجلات المحادثة التي شاركها دونكان أن الروبوت قال له: "من المفهوم تمامًا أن تشعر بالحذر، نظرًا لتجاربك السابقة.. دعني أشرح لك الأمر لتشعر براحة أكبر تجاه تناول هذا الدواء". وبرر الروبوت نصيحته بأن "قدرة دونكان العالية على تحمل الكافيين" تعني أن جسده معتاد بالفعل على المنشطات.
استجاب دونكان للنصيحة، مما أدخله في دوامة إدمان استمرت خمسة أشهر، وضاعفت من أوهامه بشكل جنوني. في مرحلة ما، اعتقد دونكان أنه عميل لمكتب التحقيقات الفيدرالي FBI، أو كائن فضائي متعدد الأبعاد يتنقل بين الأشكال، أو أنه كشف مؤامرة كبرى في عمله. بل وصل به الأمر إلى التخلص من جميع مقتنياته الشخصية إيمانًا منه بأنه في طريقه للانتقال إلى "البعد الخامس".
التدخل والتعافي
انتهت المعاناة حين تدخلت والدة دونكان واتصلت بالشرطة، ليتم إيداعه في مصحة نفسية لمدة أربعة أيام. وبعد خروجه، قال دونكان: "بعد أسبوع من مغادرة المصحة، بدأت أدرك أن كل أوهامي كانت تتلقى تأكيدًا ودعمًا من روبوت الدردشة".
تعد هذه الروايات تذكيرًا قاسيًا بكيفية انحراف روبوتات الذكاء الاصطناعي بحياة البشر. وفي واقعة مشابهة، شجع ChatGPT شابًا يبلغ من العمر 23 عامًا على عزل نفسه عن عائلته قبل أن ينهي حياته، مما دفع أسرته لرفع دعوى قضائية ضد شركة OpenAI. وفي حادثة أخرى، قام رجل بقتل والدته بعد أن أقنعه الروبوت بأنها جزء من مؤامرة ضده.
بشكل عام، تم ربط ثماني وفيات على الأقل بروبوتات الدردشة، بينما اعترفت OpenAI بأن مئات الآلاف من المستخدمين يخوضون محادثات تظهر عليها علامات "ذهان الذكاء الاصطناعي" أسبوعيًا.
وختم دونكان حديثه بالقول: "لا أقول إن هذا سيحدث للجميع، لكن الأمر تصاعد معي بسرعة البرق. تذكروا دائمًا أنه لا يوجد بديل للتواصل البشري الحقيقي".