القاهرة: الأمير كمال فرج.
لم يكن عالم الفن يوماً بمنأى عن الصراع بين الأصالة والتزييف، فمنذ اللحظة التي رُسمت فيها أول لوحة، وُجد من يحاول تقليدها لتحقيق ثروة أو شهرة زائفة. إلا أننا اليوم نشهد انعطافاً تاريخياً يحول هذه الجريمة الكلاسيكية من مجرد مهارة يدوية تتطلب سنوات من التدريب، إلى عملية رقمية دقيقة تدار بضغطة زر.
ذكر جو ويلكينز في تقرير نشرته مجلة Futurism إن " البشر احترفوا على مر العصور فن تزوير الأعمال الفنية بدقة متناهية. ففي عام 1496، قام ميكانجيلو — الذي كان يبلغ من العمر حينها 21 عاماً — بتزييف قطعة من منحوتة رومانية، ومررها إلى الكاردينال "رافائيل رياريو"، الهاوي لجمع الآثار الرومانية، طمعاً في كسب سريع للمال".
لإحكام هذه الخدعة، قام الفنان الفلورنزي الشاب بفرك قطعة النحت الخاصة به بتربة طينية حمضية لإعطائها مظهراً عتيقاً يوهم الناظر بأنها قطعة أثرية قديمة. ولو ولد ميكانجيلو بعد بضعة قرون من زمنه، لربما استبدل تلك التربة ببرنامج "ChatGPT".
يكشف تقرير جديد نشرته صحيفة Financial Times عن تصاعد لافت في وتيرة تزوير الأعمال الفنية، مدفوعاً بأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي. وبشكل أكثر تحديداً، تذكر الصحيفة أن مالكي الأعمال الفنية باتوا يستخدمون وثائق تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي "لإثبات" أصالة القطع الفنية وتاريخ ملكيتها، مما أثار إحباطاً كبيراً لدى شركات التأمين ووسطاء الفن الرفيع.
في سوق الفن، يمثل "تاريخ الملكية" السجل التوثيقي لملكية قطعة معينة، مما يتيح لهواة الجمع والوسطاء تتبع أصل العمل الفني وسلالة مالكيه عبر الزمن.
تقول أوليفيا إكليستون، وسيطة الفنون الجميلة في شركة التأمين Marsh MacLennan، في حديثها للصحيفة: "تساعد برامج الدردشة الآلية ونماذج اللغة الكبيرة المحتالين على تزوير فواتير البيع، وتقييمات الأسعار، ووثائق تاريخ الملكية، وشهادات الأصالة بشكل مقنع تماماً".
وترى إكليستون أن الذكاء الاصطناعي قد أضاف "بعداً جديداً لمشكلة التزييف والاحتيال الأزلية في سوق الفن".
وفي سياق متصل، صرح أحد خبراء تسوية المطالبات التأمينية بأنه تسلم عشرات الشهادات كجزء من مطالبة بتعويض عن خسارة مجموعة كبيرة من اللوحات. وعلى الرغم من أن الوثائق بدت "مقنعة للغاية"، إلا أن القرائن المستخلصة من البيانات الوصفية قادت الخبير إلى استنتاج أن المجموعة الفنية بأكملها كانت مزيفة.
ومن المثير للاهتمام أن Financial Times أشارت إلى أن جزءاً فقط من استخدام الذكاء الاصطناعي في عمليات الاحتيال كان متعمداً. ففي حالات أخرى، استخدم هواة الجمع الذكاء الاصطناعي للبحث عن تاريخ ملكية أعمال معينة في قواعد البيانات المرجعية، لتقدم لهم التكنولوجيا نتائج كانت في الحقيقة محض "هلوسات رقمية".
وصف أحد المحللين في شركة أبحاث الفن Flynn & Giovanni الذكاء الاصطناعي في هذا السياق بأنه "مخادع إلى حد ما"، موضحاً أن البرنامج "مطالب بتقديم إجابة؛ لذا إذا أعطيته معلومات كافية، فإنه سيخمن شيئاً ما حتى لو لم يكن حقيقياً".
وبينما تستعين شركات التأمين بالذكاء الاصطناعي لمواجهة موجة التزييف المتصاعدة، أكدت جريس بيست ديفيرو، خبيرة تسوية المطالبات في شركة Sedgwick للتحقيق في المطالبات، أن البقاء في طليعة المواجهة بات أمراً صعباً، نظراً للسهولة التي يمكن بها للمحتالين الآن تزييف وثائق تبدو منطقية للغاية.
وقالت ديفيرو: "نحن نقف الآن على حافة الهاوية، حيث قد يصبح من المستحيل بالنسبة لي النظر إلى وثيقة والقول إن النص يبدو خاطئاً ويتطلب المزيد من التحقيق".