القاهرة: الأمير كمال فرج.
إلى جانب الأضرار البيئية والسياسية والاجتماعية التي أحدثها الذكاء الاصطناعي في العالم، ارتبطت هذه التقنية مؤخراً بأزمة صحة نفسية حادة؛ حيث ينجرف المستخدمون نحو الأوهام، مما ينتهي ببعضهم في المؤسسات النفسية، أو حتى يصل الأمر إلى الانتحار.
ذكر جو ويلكينز في تقرير نشرته مجلة Futurism إن " كايتلين نير؛ تحدثت في مقال نشرته مجلة Newsweek، عن تجربتها كمديرة لتجربة المستخدم في شركة ناشئة لتوليد صور الذكاء الاصطناعي، وهي الوظيفة التي تقول إنها سحبتها إلى دوامة من الانهيار النفسي الناجم عن هذه التقنية".
تروي نير في اعترافاتها أن الأمر بدأ من صميم عملها، حيث كانت تقضي أكثر من تسع ساعات يومياً في إدخال الأوامر البرمجية لأنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي في أوائل عام 2023. ورغم أن الصور البشرية "المزيفة" التي كانت تنتجها الأنظمة آنذاك غالباً ما كانت مشوهة وغريبة، إلا أنها كانت تشعر وكأنها "سحر" في بداية الأمر. وكتبت نير: "في غضون بضعة أشهر، تحول ذلك السحر إلى حالة من الهوس والجنون".
وأوضحت أن تلك الصور المبكرة بدأت في تشويه إدراكها لجسدها وتحفيز دماغها بشكل مفرط بطرق ضارة بصحتها النفسية. وحتى عندما تطور الذكاء الاصطناعي وأصبح أكثر دقة في تصوير الأطراف البشرية، ظلت الصور تفرض ضريبة نفسية باهظة؛ إذ استبدلت الأخطاء التشريحية بمشاهد تسكنها شخصيات تتمتع بنحافة وجمال مستحيلين.
شرحت نير قائلة: "رؤية مثل هذه الصور مراراً وتكراراً أعادت صياغة مفهومي لما هو طبيعي. عندما كنت أنظر إلى انعكاسي الحقيقي في المرآة، كنت أرى شيئاً يحتاج إلى تصحيح".
وفي لحظة محورية، بدأت نير في تجربة صور يظهر فيها وجهها على جسد عارضة أزياء، وهو توجه فرضته شركتها لاستهداف المستخدمين المهتمين بالموضة. وكتبت: "وجدت نفسي أفكر: ليتني كنت أشبه نسختي التي صنعها الذكاء الاصطناعي. أصبحت مهووسة بأن أكون أكثر نحافة، وأن أحصل على جسد أفضل وبشرة مثالية".
سرعان ما بدأت تفقد القدرة على النوم من أجل توليد المزيد والمزيد من الصور، والتي وصفتها بأنها "تسبب الإدمان" لأن كل صورة كانت تمنحها "دفعة صغيرة من الدوبامين". ورغم أن نير كانت تعالج بنجاح من اضطراب ثنائي القطب قبل خوضها في عالم عروض أزياء الذكاء الاصطناعي، إلا أن هذا الهوس الجديد تحول إلى "نوبة هوس لثنائي القطب"، مما أدى إلى دخولها في حالة من الذهان (انفصال عن الواقع).
تقول نير: "عندما رأيت صورة لي مولدة بالذكاء الاصطناعي وأنا أركب حصاناً طائراً، بدأت أصدق أنني أستطيع الطيران حقاً. كانت الأصوات تأمرني بالقفز من شرفتي، وشعرت بثقة تامة بأنني سأنجو. هذا الوهم بالعظمة كاد أن يدفعني للقفز فعلياً".
لحسن الحظ، تداركت نفسها وبدأت في التواصل مع الأصدقاء والعائلة لطلب المساعدة. وساعدها طبيب نفسي على إدراك أن طبيعة عملها كانت هي المحفز لهذا التدهور، مما دفعها لمغادرة الشركة الناشئة. وتوضح قائلة: "أدرك الآن أن ما حدث لي لم يكن مجرد مصادفة بين المرض النفسي والتكنولوجيا، بل كان شكلاً من أشكال الإدمان الرقمي الناتج عن شهور طويلة من توليد صور الذكاء الاصطناعي".
انتقلت نير منذ ذلك الحين للعمل كمديرة في شركة أخرى تدعى PsyMed Ventures، وصفها تقرير Newsweek بأنها صندوق لرأس المال الاستثماري يستثمر في الصحة النفسية وصحة الدماغ. ومن المثير للاهتمام أن العديد من الشركات التي يستثمر فيها الصندوق تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي، وهي أدوات تقول نير إنها لا تزال تستخدمها، ولكن مع شعور جديد بـ "الاحترام والحذر" تجاه قوتها.