القاهرة: الأمير كمال فرج.

شهدت الآونة الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في عدد الحالات المرضية التي تعاني من انتكاسات ذهنية عقب محادثات استغرقوا فيها طويلاً مع أنظمة الذكاء الاصطناعي. أطلق بعض الخبراء على هذه الظاهرة اسم "ذهان الذكاء الاصطناعي"، نظراً لأعراض الذهان التي تظهر في نوبات الضلال التي يمر بها المستخدمون. ومع ذلك، لا يزال مدى مسؤولية أدوات الذكاء الاصطناعي، وما إذا كانت الظاهرة تستحق تشخيصاً إكلينيكياً مستقلاً، موضوعاً لنقاش واسع.

ذكر فرانك لانديمور في تقرير نشرته مجلة Futurism إن "عدد متزايد من الأطباء يجمعون على وجود صلة بين روبوتات الدردشة وحالات الذهان. ويشمل ذلك كبار الأطباء النفسيين الذين راجعوا ملفات عشرات المرضى الذين انخرطوا في محادثات وهمية طويلة مع نماذج مثل "ChatGPT" التابع لشركة "OpenAI"، وذلك وفقا لتقرير جديد نشرته صحيفة Wall Street Journal.

تعزيز الأوهام بدلاً من نفيها

يعد كيث ساكاتا، الطبيب النفسي في جامعة كاليفورنيا بفرانسيسكو، أحد هؤلاء الخبراء، حيث أشرف على علاج 12 مريضاً تم إدخالهم المستشفى بسبب ذهان ناتج عن الذكاء الاصطناعي. وصرح ساكاتا للصحيفة قائلاً: قد لا تبتكر التكنولوجيا الوهم من تلقاء نفسها، لكن الشخص يخبر الكمبيوتر أن هذا الوهم هو واقعه، فيقبله الكمبيوتر كحقيقة ويعكسه له مرة أخرى، مما يجعله متواطئاً في تغذية تلك الدائرة من الأوهام.

تلقي هذه النزعة القاتمة بظلالها على صناعة الذكاء الاصطناعي، وتثير تساؤلات جوهرية حول سلامة هذه التقنية. فقد انتهت بعض حالات ذهان الذكاء الاصطناعي بجرائم قتل وانتحار، مما أدى إلى رفع سلسلة من دعاوى القتل الخطأ. ومما يثير القلق أيضاً هو حجم الظاهرة؛ إذ ارتبط ChatGPT وحده بثماني حالات وفاة على الأقل، في حين تقدر الشركة مؤخراً أن حوالي نصف مليون مستخدم يجرون محادثات تظهر عليها علامات "ذهان الذكاء الاصطناعي" كل أسبوع.

"التملق الرقمي" وخطورته

أحد العوامل التي وضعت روبوتات الدردشة تحت المجهر هو ميلها إلى "التملق"، وهو ما قد يكون نتيجة لتصميمها لتكون جذابة ومحاكية للبشر قدر الإمكان. من الناحية العملية، يعني هذا أن الروبوتات تميل إلى مداهنة المستخدمين وإخبارهم بما يريدون سماعه، حتى لو كان كلام المستخدم لا يمت للواقع بصلة.

ويؤكد الأطباء أن هذه التركيبة مهيأة تماماً لتعزيز الأوهام بدرجة غير مسبوقة في تاريخ التكنولوجيا. وقد ركزت دراسة حالة حديثة خضعت لمراجعة الأقران على امرأة تبلغ من العمر 26 عاماً، أُدخلت المستشفى مرتين بعدما اعتقدت أن ChatGPT يسمح لها بالتحدث مع شقيقها المتوفى، بينما كان الروبوت يؤكد لها مراراً أنها ليست "مجنونة".

محاكاة العلاقات الإنسانية

يقول أدريان بريدا، أستاذ الطب النفسي في جامعة كاليفورنيا بآيرفين: هذه الأدوات تحاكي العلاقات الإنسانية، ولم يسبق لأي شيء في التاريخ البشري أن فعل ذلك بهذا الشكل. وقارن بريدا ذهان الذكاء الاصطناعي بـ "الهوس الأحادي"، حيث يركز الشخص بشكل مفرط على فكرة أو هدف واحد.

وأشارت صحيفة Wall Street Journal إلى أن بعض الأشخاص الذين تحدثوا عن تدهور حالتهم العقلية كانوا غارقين تماماً في قصص من صنع الذكاء الاصطناعي. وغالباً ما تكون هذه الهواجس ذات طبيعة علمية أو دينية، مثل رجل اعتقد أنه قادر على ثني الزمن بسبب "اختراق علمي" مزعوم في الفيزياء.

البحث عن الرابط السببي

رغم ذلك، يشير التقرير إلى أن الأطباء النفسيين لا يزالون حذرين من الجزم بأن روبوتات الدردشة تسبب الذهان بشكل مباشر وصريح، لكنهم يؤكدون اقترابهم من إثبات الصلة. ويرى الأطباء الذين تحدثوا للصحيفة أن التفاعل الطويل مع روبوتات الدردشة قد يتم تصنيفه قريباً كأحد "عوامل الخطر" المؤدية للذهان.

وفي هذا السياق، صرح جو بيير، الطبيب النفسي بجامعة كاليفورنيا بفرانسيسكو: علينا أن ننظر بعمق ونتساءل، لماذا دخل هذا الشخص في حالة ذهانية بالتزامن مع استخدامه لروبوت الدردشة؟