القاهرة : أكف .
ترك مصمم الأزياء السعودي العالمي يحيى البشري الأضواء قليلا ، ليخلو بنفسه، وفي لغة شاعرية رصينة لا تخلو من الحكمة، تحدث عن همومه ومشاعره كأب يقود أسرة ، ولكنه في لحظة ما ، ومع كبر أبنائه يكتشف أن عليه أن يعتزل القيادة ليكون أحد الركاب..
البشري الذي طالما قدم أفكاره وأحلامه وهواجسه في شكل أزياء تتحرك وتحكي كل منها قصة ، إكتشف أخيرا أن القلم أصدق وسائل التعبير ، فأفرج عن عصفور الشعر داخله ، ليكتب قطعة نثرية راقية ومعبرة وموحية بعنوان "قائد الطائرة العائلية".
المشاعر الإنسانية لا تؤول، كالقصيدة .. كالمطر، عليك أن تأخذها كما هي ، طازجة كعناقيد الندى، صادقة كدعاء الآباء، لذلك لا ترهق نفسك في عملية التأويل ، فقط اقرأ وتعلم مشاعر الأبوة، إحدى أهم المشاعر التي يملكها الإنسان .
يقول البشري في خاطرته التي عنوانها بـ "قائد الطائرة العائلية " والتي نشرها على صفحته الشخصية في فيسبوك اليوم :
(قائد الطائرة العائلية
منذ سته وعشرون عاما امتلكنا طائرة عائلية
كنت القائد فيها وكان الركاب زوجة فقط.
وبعد عامين قدم لنا أجمل ضيف وحرصنا أن نرعاه وأن يحظى بأجمل عناية وحب . خصصنا له مقعدا في رحلتنا واكملنا المشوار.
أصبحت الطائره تحمل زوجة وابن ومعاونة عائلية
مضت الرحلة بسلام وأحيانآ مرت بمطبات عائلية.. انها سنة الحياة
طفنا بلدان عديدة، وتشربنا ثقافات مختلفة
اتفقنا واختلفنا عن ما تعنيه هذه الثقافات من أولوياتنا، وكيف لنا أن نتعايش معها أو نرفضها .
استمرت الرحلة ..
قدم وافد جديد، وأفسحنا له مكانا في الطائرة، وكنا سعيدين بقدومه، وزاد من سعادتنا حب أخيه له، وفرحته بالضيف الجديد .
المطبات الهوائية بعد قدومه أصبحت مهددة لإقلاعنا بنفس الوتيرة السابقة.
كي تستمر الرحلة قررنا أن نضع حدا لهذه الاختلافات.. وكي نستطيع الحصول على تراخيص الهبوط والإقلاع دون أن نهدد أنظمة السلامة العائلية. وصلنا إلى قرار اتخذه فرد أساسي في هذه الرحلة ان يغادر
وكي تستمر رحلتنا في الطيران تفهم الراكبين أسباب رغبة الراكب في عدم المواصلة ..أتممنا الرحلة رغم فقدنا لركن أساسي لهذه الرحلة .
استمرت الرحلة بين قائد وراكبين أساسيين ومعاونة في الترحال
سنة الحياة أن تستمر المطبات .. فقدنا المعاونة رغم حبنا لها، ولكن الحياة لابد أن تنتهي بفقدان أحد الركاب
استمرت الرحلة بين قائد وأجمل راكبين علموني معنى الحب وعلمتهم معنى الحياة .
طفنا كل البلدان، وكنت قائد في السما والأرض، وكانوا يتغنوا بطريقة اختيارات للمكان وللطعام..
في السما أحكي لهم حكايات .. وفِي الأرض أعلمهم معنى الحياة
طفنا كل المدن وتشربنا معنى الحب والاندماج في هذه العائلة، وكل أجازه كانوا ينتظروا مني مفاجآت في اختياراتي لما يسعدهم، وما يضيف طعم للحياه..
وكل اختيار أقوم به سواء في المكان أو الزمان كان يسبب لهم دهشة وحب لاستطلاع القادم من المحطات .
علمتهم حب الحياة والبساطة
وعلمتهم حب العطاء والمسؤولية
علمتهم التفكير باستقلالية
وعلمتهم ان الأنانية رمز للفناء
كانت الرحلة تمر بسلام وأمان
وكل المطبات التي تعترضها الرحلة
نتجاوزها بحبنا ورؤيتنا إلى حياة أفضل
كبروا وكبرت الآمال وأصبح كل منهم له اختيار في حياته، وأصبحت أفكارهم تملأ المكان
كل خطوه يحسبوها، وكل موقع يحللوا كيف كان، وكل متعة يناقشوها، ورغم سعادتي بانفتاحهم الفكري ومعلوماتهم الحديثة، ومعرفتهم السريعة بكل بلد قبل أن نهبط فيه .. إلا أن الرحلة بدأت تمر بمطبات جميلة .. ، وأصبح القائد في كثير من الأحيان المساعد، ولَم يعد لي الحق في اختيار المكان بمفردي .. ، وكثرت الانتقادات لاختيارتي وفِي حالات كثيرة صاروا ينتقدون معلمهم ..، وصرت اتبع كل ما يعجبهم ..
فن القياده اختفى، ولكي أبقى في هذه الرحلة وتستمر في تحليقها لابد أن أتنحى عن القيادة، وأرضى بأن أكون راكبا، وأترك القياده لهم ..، هذه الحياة لكي نبقى مع من نحب لابد أن نقدم التنازلات.
يحيى البشري
كوريا
13/ 8 / 2017)