تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



الكوجيكى حكايات تسري في العروق اليابانية


الدكتور رضا محمد عبد الرحيم

كتاب الـ" كوجيكى" يتجاوز التقديس إلى كونه دما وروحا يسريان فى العروق اليابانية، على الرغم أنه لا يقرأ فى معبد أو فى بيت.. فى صباح أو فى مساء، ولكن على حد وصف أحد الشعراء:

ننثر محتواه نثرا وديعا فى الريح، فى الحياة، فى الظلام، فى الحكايات، فى الكتب، فى الصحف، هكذا يأتى سلوك اليابانى، أى يابانى منسوجا من دروس هذا الكتاب.

لا يوجد بيت يابانى يخلو من نسخة أو أكثر من كتاب الـ "كوجيكى "بنصه الأصلى - دون آنذاك باللغة الصينية القديمة التى كانت تُعد اللغة الثقافية فى اليابان القديمة- مرفقا بترجمة إلى اللغة اليابانية الحديثة ويكثرون الشروحات والتعليقات.

فما هى قصة هذا الكتاب؟ وماذا يتضمن؟ وما هى أهميته؟

منذ عودة الإمبراطور مييجى إلى العرش 1868م، بصفته إلها، كانت حكايات الـ"كوجيكى" ذات الدلالة الخاصة، داخل مناهج التدريس التى ما قبل الجامعى، لاسيما الحكايات والقصص ذات الطابع التعليمى، حيث يكون الأمر متعلقا بالإمبراطور، أو بإحدى الشخصيات القوية القريبة من الإمبراطور.

والكتاب بالكامل مُكرس لإثبات الأصل"السماوى" الإلهى للجزر اليابانية ولأباطرتها من القديم حتى الآن، ولا يوجد أى فصل بين اليابان الإلهية والأباطرة الإلهيين..الجزر منهم، وهم من الجزر، ولهذا المعنى بُعث هذا الكتاب من القبر وصار مقدسآ حالما أُعيد تنصيب الإمبراطور زعيما سياسيا وروحيا، وبهذا المعنى أيضا أريد لهذا الكتاب أن يكون الدرع الروحى فى وجه الأفكار الغربية التى حُسب حساب إمكانية دخولها مع التكنولوجيات المستوردة، كما أريد لهذا الكتاب أن يحافظ على الروح اليابانية التى تتجلى فى حكايات وأساطير هذا الكتاب حيث هناك تداخل وترابط وانسجام بين التاريخى والسياسى والجنسى والدينى والوطنى والعام والخاص، وكل ذلك داخل إطار دائرى كبير هو السلطة الإمبراطورية .
 
يقول الأستاذ الدكتورمحمد عضيمة لكى تكون الأمور أكثر وضوحا لدى القارئ العربى فإذا كان الله سبحانه تعالى قد تجلى فى الديانات السماوية الثلاث من خلال الكتب المقدسة، فإن آلهة اليابان قد تجلوا على شكل جزر، هذه الجزر هى القانون الذى يجب أن يعاش على إيقاعه، وكل ما فيها وما عليها من جبال وأنهار وأشجار وغير ذلك ينبغى استلهامه من الحياة ينبغى العيش وفق قوانين طبيعية هذه الجزر، أى وفق طبيعة الفعل الإلهى .بهذا المعنى يقدس اليابانى طبيعة بلاده.مُلهمته فى الحياة، ودستوره فى الحكم وبهذ المعنى الوطن مُقدس من المقدسات الدينية عنده.
وفى المتن الفرعونى القديم نفس التصور عن بداية الخلق ونشوء الكون (الأسطورة الكوسموغونية) تقول إيزيس:
فى الأول كنت فى الظلام، ولم يكن غير الظلمة والصمت شيء، ثم تجمع وسط الظلام ماء واشتاقت الظلمة للنور فأشرقت شمس رع، ولما كان النور تلألأ الماء وطفت من ألقه جزر صغيرة وكان يعتلى كل جزيرة إله.
 
ولأن جزر اليابان جزر إلهية كما ذكرنا آنفا فإن حكمها يجب أن يعود إلى الآلهة أنفسهم أو إلى أولاد الآلهة، وبهذا المعنى لا يوجد فى اليابان فصل بين دين ودولة منذ القدم وحتى الآن.
 
وإن لم يكن للإمبراطور ذلك الدور الكبير فى الإدارة والسياسة لسبب أو لآخر لكن الروح اليابانية تريد هذا الوجود "الرمزى" الذى لا يزعج أحدا، ولأن الولايات المتحدة الأمريكية ومعها حلفاؤها من الغرب أدركت هذا المطلب الروحى، وهذه الضرورة الروحية، أبقت على النظام الإمبراطورى ولم تمس شخصية الإمبراطور الحاكم- بعد الحرب العالمية الثانية- بأى أذى.
وسأعرض وباختصار شديد لأهم الشخصيات والأحداث التى بداخل هذا الكتاب:
 
إيزاناكى وإيزانامى
 
تبدأ أحداث ووقائع الـ كوجيكى مع هذين الإلهين الزوجين، فهما الإلهان اللذان، وبأمر من الآلهة، انجبا الجزر، أى هما الأبوان الحقيقيان للأرخبيل ولأولاده .وسوف يتمتع القارئ بحكاية زواجهما وحكاية إنجابهما للجزر اليابانية وصراعهما أخيرا بعد وفاة الزوجة إيزانامى ثم رحيلها إلى الآخرة (أو إلى بلاد الجحيم كما يعرفها اليابانيين)..

وعندما اشتاق الزوج إيزاناكى لرؤيتها فذهب إليها فى تلك البلاد الكريهة، وطلب منها العودة لإكمال الخلق والولادات الأخرى، فقبلت شريطة أن تأخذ موافقة آلهة بلاد الجحيم، لكنها طالبته بإرار ألا ينظر إليها وهى فى الداخل، غير أنه أستغرب هذا الطلب المدهش وأثير فضولهُ، فمد عنقه ورأى زوجته على حقيقتها فى بلاد الجحيم. ياللمنظر المخيف! فأصيب بالذعر ولاذ بالفرار-والدرس المستفاد من هذا الكشف أن اليابانى المعاصر واقعى لا يصدق إلا ما تقع عليه عيناه- عندئذ أحست الزوجة بالأمر، فغضبت غضبا شديدا وأرادت معاقبته، فأرسلت من يطاردهُ.

لكن جميع من أرسلتهم فشلوا، فراحت هى تلاحقه حتى وصلت وراءه إلى الحدود الفاصلة بين بلاد الجحيم وبين هذه الدنيا .آنذاك أخذ الزوج إيزاناكى صخرة كبيرة جدا وسد بها تلك الحدود، ثم قررا وكل منهما على حدوده الانفصال بشكل نهائى. وهكذا أخذ هو بالتطهير من رؤيته لزوجتهُ فى بلاد الجحيم، فولد له من هذه التطهيرات أربعة عشر إلها بينهم ثلاثة نبلاء هم:  الإلهة الكبيرة أماتيراس "الشمس" والتى ولدت عندما طهر عينه اليسرى- وأصل العائلة الإمبراطورية فى اليابان-، وتُسكى"القمر"الذى ولد عندما طهر عينه اليمنى، وسُسانو الذى ولد عندما طهر أنفه، ثم قسم حكومة العالم بين هؤلاء الثلاثة:

أوكل إلى أماتيراس أن تحكم مجال السماء الأعلى، وإلى تُسكى أن يحكم مجال الليل وإلى ياسُسانو أن يحكم مجال البحر.وبطبيعه الحال سُسانو هو رمز الأرض بجميع مشكلاتها، ومحور الأحداث سيكون بينه وبين أخته أماتيراس، وهكذا سوف تكون جميع أحداث الكوجيكى بين سُسانو وأحفادهُ (الآلهة الأرضيين) من جهة، وبين أخته أماتيراس وأحفادها (الآلهة السماويين) من جهة أخرى.

 

سُسانو وأخته أماتيراس

نستكمل معا فصول نشأة الكون فى الفكر اليابانى من خلال استعراض فصل آخر من فصول كتاب الـ كوجيكى فبعد أن وزع إيزاناكى حكومة العالم على أبنائه الثلاث، وكان لـ سُسانو مجال البحار كما ذكرنا، لم يحكم بل أخذ بالبكاء، فى حين مارس أخواه الحكم طبقا للأوامر.

وعندما سألهُ الأب عن سبب بكائه أجاب بأنه يريد الذهاب إلى ديار أمهُ، فقرر الأب نفيه - ونجد فى المجتمع اليابانى المعاصر علاقة الذكر الحميمة والمعقدة مع الأم من جهه وعلاقته المتوترة باستمرار مع الأب من جهه أخرى- وأحب سُسانو أن يسلم على أخته أماتيراس قبل الرحيل إلى المنفى، وعندما صعد إلى عندها فى الماء، زلزلت الجبال والبحار وارتعدت أخته من هذا القدوم المفاجئ، فظنت أنه قادم من أجل الاستيلاء على ديارها.لكنه طمأنها بعدم وجود أية نوايا سيئة تجاهها، وبأنه جاء ليسلم عليها، وتعاهدا على القسم والإنجاب:

بعد القسم، طالبته بتسليم سيفهُ الذى أخذته فكسرته ومضغت قطعة ثم نفستها، فولدت ثلاث أميرات إلهات هن بنات سُسانو لأنهن ولدن من سيفه. ثم طالبها هو الآخر بأن تسلمه الحلى التى تتزين بها، فأخذها ومضغها ثم نفسها، فولد خمسة أمراء آلهة، هم أبناء أماتيرا لأنهم من حليها.

أعتبر سُسانو هذه النتيجة انتصارا له، ولنواياه الحسنه على أخته فقال لها: أرأيت، قلبى تقى وصاف، لذا جاءتنى ثلاث نساء وديعات- يفضل الأب اليابانى المعاصر أيضا إنجاب البنات عن الذكور- ولكى يخلد هذا الانتصار راح يعربد ويعبث فى ديار أخته، لدرجة أنها خشيت عنفه فاختبأت فى المغارة السماوية الصخرية.آنذاك عمت الوجود ظلمة حالكة ، فجن جنون الآلهة جميعا، واجتمعوا للبحث فى طريقة لإخراجها، وإعادة النور إلى الوجود.

وهنا يظهر دور الإلهة "أزُميه"، فقلبت أزُميه برميلا وصعدت فوقه ترقص وتتعرى حتى اهتاج الآلهة جميعا، فأخذوا بالفرح والضحك والقهقهات عندئذ دهشت أماتيراس وتساءلت بصوت مسموع عن سبب هذه الأفراح مع أن بغيابها الظلمت قد عمت.فأجابتها أزُميه الراقصه، بأنهم وجدوا آلهة أجمل منها، فشقت أماتيراس باب المغارة قليلا كى ترى، فوضع إله المرآة فى وجهها، فرأت نفسها، ثم وضع إله آخر الحبل من ورائها وقال:لا تمرى من هنا، ثم شدها إله ثالث إلى الخارج بقوة..وهكذا عاد النور إلى الوجود من جديد.

ولكى لا يحدث هذا مرة أخرى، قرر الآلهة معاقبة سُسانو بقص لحيته، وقلع أظافره وتقديم القرابين لأماتيراس علانية، ثم نفوه إلى الأرض مرة أخرى.لتبدأ أسطورة أخرى هذه المرة ليست فى السماء ولكن على الأرض اليابانية التى حيث هبط سُسانو وسط حقول البوص على ضفة النهر وصعد إلى الأعلى قليلا فشاهد عجوزين يبكيان وبينهما صبية شابة.ولما سألهما عن سبب بكائهما وأجاباه بأن البواء العظيم (ربما حيوان ذى رؤوس ثمانية وذى جسد كبير) قد أكل لهما سبع شابات عذراوات على مدى سبع سنوات، والآن حان وقته كى يأكل.

الثامنة والأخيرة...طلب منهما أن يمنحاه إياها زوجة. فقبلا بعد أن قدم نفسهُ على أنه ابن إله سماوى وشقيق الإلهة الكبيرة –هنا اعتزاز بهذه القرابة، على الرغم مما حدث له فى السماء، لم يتخذ أخته عدوا وخصمآ- قتل البواء وتزوج الفتاه وشيد قصرا فى الإقليم نفسه حيث هبط، وجعل والد زوجته رئيسا للقصر.

وهكذا تزوج أول فتاه التقى بها على الأرض وأنجب منها ومن زوجة أخرى أطفالا سوف يحكمون الأرض (اليابان) وسوف ينجب هؤلاء أطفالا يحكمون هم أيضا. وذلك دون أن نجد لدى أى واحد منهم أو من أحفادهم فيما بعد أى حنين إلى جذورهم السماوية أو أية رغبة فى الانتقام لجدهم سُسانو من الآلهة السماويين وهنا بيت القصيد الذى يوجز عقلية الانسجام: لا حنين إليها ولا رغبة فى الانتقام منها.
  
ترجع أهمية الكتاب من وجهة نظر كاتب المقال غير أنه حفظ الأساطير اليابانية القديمة من الضياع فى أنه يساعد على فك شفرات الشخصية اليابانية القديمة والمعاصرة على حد سواء .لأنه ببساطة يقدم لنا درسا مفتوحا لفهم الحضارة اليابانية الروحية وغير الروحية القديمة والمعاصرة.

فالشعب اليابانى المعاصر له أساطيره الحديثة الطبيعية منها والخارقة ! على الرغم من أن العلم الحديث أوجد أهم فرق بين إنسان المجتمعات القديمة والإنسان الحديث - من هذا المنظور الأسطورى- ألا وهو عدم قابلية الحوادث القديمة للارتداد فيما يعرف بنظرية الترس والسقاطة، وهو ما يشكل العلامة المميزة للتاريخ فى نظر الأخير(الإنسان الحديث)، إلا أنه ليس بالأمر البديهى فى نظر الإنسان القديم.

فإنسان المجتمعات القديمة يعتقد أن ما حدث فى الأصل قابل أن يتكرر بقوة الطقوس، الأساس فى نظره إذن هو أن يعرف الأساطير .لا لأن الأساطير تتيح له تفسيرا للعالم ولأسلوب وجوده الخاص فيه وحسب، وإنما لأنها تتيح له، إذ يتذكرها ويحييها القدرة على تكرار ما فعلته الآلهة أو الأبطال أو الأسلاف فى الأصل.
إن معرفة الأساطير لا تعنى تعلم سر أصل الأشياء وحسب، وإنما أين يجدها وكيف يجعلها تعود إلى الظهور عندما تختفى أيضا .

وبتلاوة الأساطير يصار إلى استعادة هذا الزمن الأسطورى، وتبعا لذلك يصبح المرء معاصرا للحوادث التى جرت فى ذلك الزمان، يقتسم مع الآلهة أو الأبطال حضورهم.على وجه الإجمال، يمكننا القول أن الإنسان إذ يعيش الأسطورة يخرج من الزمن الدنيوى، الكرونولوجى، ويدخل فى زمن مقدس، وفى نفس زمن بدئا، قابل للاستعادة دوما.

تاريخ الإضافة: 2018-11-22 تعليق: 0 عدد المشاهدات :2076
2      0
التعليقات

إستطلاع

مواقع التواصل الاجتماعي مواقع تجسس تبيع بيانات المستخدمين
 نعم
69%
 لا
20%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات