القاهرة : إفريقيا تغني .
أكد مختصون أن أديس أبابا في طريقها لأن تصبح قريباً واحدةً من مراكز الابتكار الرائدة في أفريقيا، ما يجعلها قد تنافس تلك القائمة بالفعل في هذا المضمار، مثل نيروبي ولاغوس وكيب تاون.
وذكر تقرير نشره موقع BBC أن "أثيوبيا شهدت العام الماضي انتخاب آبي أحمد، 42 عاما، رئيساً للوزراء. وسرعان ما كان لهذا الرجل بصماته في مجالاتٍ عدة، عبر القيام بسلسلةٍ من الإصلاحات الشاملة، وهو ما تضمن - مثلاً - إطلاق سراح آلاف السجناء السياسيين، واستئناف العلاقات الدبلوماسية مع إريتريا.
أولوية التكنولوجيا
شملت سياسات آبي أحمد أيضا إدخال تغييرات على قطاعات التعليم والمالية والاتصالات والأنشطة التجارية، وهو ما شكّل مؤشراً على أن التكنولوجيا أصبحت الآن أولويةً بالنسبة لحكومته.
ومن المعروف أن نصف مراكز التكنولوجيا في القارة الأفريقية توجد حالياً في أربعٍة بلدان فقط، وهي كينيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا وغانا. وتوفر هذه الدول 75% تقريباً من تمويل الشركات الناشئة، وهو تمويلٌ يتزايد بوتيرةٍ متسارعةٍ بفعل تدفق المستثمرين على أفريقيا. وفي عام 2018 وحده، ازداد ذلك التمويل بواقع أربعة أضعاف مُقارنةً بالعام السابق.
وبالرغم من أن أثيوبيا شهدت نمواً اقتصادياً مستمراً وبنسبةٍ لا يُستهان بها على مدى عقدين من الزمان، فإنها لا تزال واحدةً من أقل دول العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي، فضلاً عن أن غالبية سكانها من المزارعين الذين يعيشون على حد الكفاف.
والآن يولي الشبان الأثيوبيون اهتمامهم بالتكنولوجيا في محاولة للتغلب على التحديات التي تواجههم. وتقول إيليني غابر-مادين، مُؤسسة "بلو موون"، إن "الأفكار العظيمة تشكل بالأساس حلولاً للمشكلات. وإذا كان هناك ما يوجد لدينا، فهو الكثير من المشاكل".
100 شركة ناشئة
من بين النماذج الأثيوبية في هذا الصدد، شركةٌ ناشئةٌ تحمل اسم "فلويس"، تتبنى نهجاً راديكالياً على صعيد تصنيع مواسير للمياه بأسعارٍ معقولةٍ وباستخدام تقنياتٍ متطورة.
يقول ماركوس ليما، وهو أحد مؤسسي الشركة: "هناك الكثيرون ممن يسيرون لمسافاتٍ طويلةٍ للعثور على المياه. نريد ابتكاراً من النوع الذي يكون ذا مغزى في السياق المجتمعي من أجل إيجاد حلولٍ محليةٍ للمشكلات" الموجودة في المجتمع المحلي."
وشارك ليما كذلك في تأسيس "آيس أديس"، وهو مركزٌ آخر للابتكارات التكنولوجية لا يبعد مقره كثيراً عن مقر "بلو موون"، وقد أُنشيء عام 2011 وكان الأول من نوعه في المدينة حينذاك. وقد شَهِدَ هذا الرجل خلال السنوات القليلة الماضية كيف يتزايد اهتمام الشبان الأثيوبيين بازدهار التكنولوجيا في بلادهم، واصفاً ذلك بأنه أمرٌ ذو "طابعٍ جنوني".
وبالفعل، فخلال أقل من عقدٍ من الزمان، ظهرت قرابة 100 شركة ناشئة في هذه البيئة لتشجيع الابتكارات والتقنيات الحديثة في أديس أبابا. ويتلقى ليما يومياً الكثير من الطلبات لعقد اجتماعاتٍ معه من جانب المتحمسين لهذه التقنيات. ويسعى هؤلاء للحصول على مشورته والتعرف على الكيفية التي يمكنهم بها دخول السوق في هذا المجال.
ويرى هذا الرجل أن التزايد الكبير في قدرة الأثيوبيين على الاتصال بشبكة الإنترنت، يشكل أحد العوامل الرئيسية التي أدت لحدوث هذا التغير. ففي عام 2011 لم تكن نسبة القادرين على الوصول إلى الشبكة العنكبوتية في أثيوبيا تتجاوز واحد في المئة من السكان، أما الآن فقد وصلت إلى أكثر من 15 في المئة.
طفرة في الإنترنت
شهدت دول أفريقيا جنوب الصحراء طفرةً مماثلة على صعيد زيادة عدد مستخدمي الإنترنت، بفضل توسع نطاق شبكات الهواتف المحمولة، جنباً إلى جنب مع الانخفاض المستمر في أسعار الهواتف الذكية. ويقول ليما: "عندما يتصل عددٌ أكبر من الأشخاص بالإنترنت فإنهم يعلمون الإمكانات المتاحة لهم وكيف يبدو العالم من حولهم، وهو ما يخلق كثيراً من الحماس والدوافع لديهم".
تطوير بيئة الاستثمار
رغم أن أديس أبابا تعج بأفكارٍ مثل هذه؛ فإن تحويلها إلى خدماتٍ يمكن تسويقها هو أمرٌ شاق. فبيئة الاستثمار في أثيوبيا ظلت لعقودٍ تتسم بطابعٍ بيروقراطيٍ ومحافظ. ويقول ليما: "تسويق أي عمل تجاري أمرٌ عسير، لكن الصعوبة تزيد بشكلٍ كبير إذا كنت تسعى لتسويق ابتكاراتٍ تقنية".
فالإجراءات الخاصة ببدء نشاطٍ أو إغلاق آخر، طويلةٌ ومكلفةٌ، وهو أمرٌ يناقض ما ينبغي أن يسود لتشجيع ظهور شركاتٍ ناشئة.
لكن أبيي ألمح إلى أن ثمة إصلاحاتٍ في الأفق. ففي ديسمبر، أطلق مبادرةً تستهدف تقليص العراقيل التنظيمية والإدارية التي تقف في وجه أصحاب المشاريع التجارية، وترمي لتعزيز الاستثمار.
وفي الوقت الراهن، يخضع الاستثمار الأجنبي في أثيوبيا لقيودٍ صارمةٍ، وهو ما يعوق الكثير من شركاتها الناشئة التي لا تزال في طور التأسيس.
كما أن هناك تفاوتاً بين التحسن الكبير الذي طرأ على صعيد زيادة قدرة الأثيوبيين على الاتصال بشبكة الإنترنت خلال السنوات الماضية، وما يشهده قطاع الاتصالات في البلد نفسه، إذ أن هذا القطاع - الذي يشهد احتكاراً من جانب شركة "إثيو" المملوكة للدولة - موصومٌ بأنه باهظ التكاليف وغير جدير بالثقة.
تسهيل الإجراءات
وفي عهد الحكومة السابقة في أثيوبيا، كان من الشائع حدوث قطعٍ كاملٍ لخدمات الإنترنت في مختلف أنحاء البلاد، على يد السلطات التي كانت تلجأ لذلك في مواجهة أي احتجاجاتٍ واسعة النطاق أو أعمال عنفٍ ذات طابعٍ عرقي.
غير أن حدوث ذلك أصبح شيئاً من الماضي منذ وصول آبي أحمد إلى السلطة. كما أن هذا الرجل منفتحٌ على الاستثمار الأجنبي. وفي ضوء ذلك، سيتم خصخصة "إثيو" جزئياً، وتقسيمها إلى شركتين متنافستين كخطوةٍ أولى.