إكسبو 2020 دبي.

تحسين الصحة النفسية مشكلة يواجهها الجميع، إما من خلال تجاربهم الخاصة أو في إطار دعمهم الأصدقاء أو الأقارب أو الزملاء. ومن هذا المنطلق، اجتمع الخبراء في سلسلة من المحادثات أثناء فعاليات أسبوع الصحة واللياقة في إكسبو 2020 دبي (من 27 يناير حتى 2 فبراير) لمعالجة ما يقترن بالصحة النفسية من وصمات وما يدعمها من ابتكارات تقنية، إلى جانب تأثير جائحة كوفيد-19.

وقال بول هندري، نائب الرئيس العالمي للصحة والسلامة والبيئة في شركة جاكوبس الهندسية، إنه قد يصعب إحداث تغييرات إيجابية في الصحة النفسية لو تعثر تقييم المشكلة. وجاء ذلك في معرض حديثه أثناء فعالية بعنوان "أيادي الطبيعة الشافية: صنع بيئات صحية للعيش"، عُقدت يوم الأربعاء (2 فبراير)، وركزت على بحث الصلة بين البيئة المادية وصحة البشر ورفاههم، وأثر ذلك على السياسات – بجانب التخطيط، والتصميم، والإنشاء، والتشغيل للموائل البشرية التي تدعم الصحة والعافية.

وشهدت مبادرة "مليون حياة"، وهي مبادرة عبر الإنترنت أطلقتها شركة جاكوبس قبل عام، تعاون خبراء الصحة النفسية للوصول لاستطلاع يجمع إجابات المستطلعين عن أسئلة تغطي جوانب مختلفة من صحتهم ورفاهيتهم، وذلك على مقياس متدرج، بهدف الحصول في نهاية المطاف على خطة فردية شاملة. وفي حين أن هذه الخطة لا تمثل تشخيصا، فإنها تهدف إلى تسليط الضوء على نواحٍ معينة تقتضي التحسين، فضلا عن النواحي التي ينجح فيها المستطلعون. وتتيح المبادرة للمستخدمين لاحقا الوصول إلى حزمة من الموارد المجانية عبر الإنترنت.

وأوضح هندري: "عندما تشرع في الإجابة عن تلك الأسئلة، فإنك تبدأ حقا في التفكير في رد فعلك تجاه الأشياء التي حدثت لك على مدار الأسبوع أو الأسبوعين الماضيين، وتبدأ في تكوين فكرة عن بعض سلوكياتك".

ويعكس تشجيع المستخدمين على متابعة "مليون حياة" بانتظام مخاوف أثارتها كيرستين كوملي، الرئيس التنفيذي المشارك لمشروع "مي-تو"، الذي يتخذ من المملكة المتحدة مقرا، وهو عبارة عن تطبيق يدعمه إكسبو لايف، برنامج الشراكة والابتكار العالمي من إكسبو 2020 دبي، ويتيح للمستخدمين التحدث، دون الإفصاح عن هويتهم، عن الصعوبات التي تواجههم، مع أشخاص من نفس فئتهم العمرية أو مستوى خبرتهم.

وفي جلسة بعنوان "سلسلة تأثير إكسبو لايف: كسر الحواجز من خلال الطب الرقمي"، أشارت كوملي إلى أن العديد من الأنظمة توفر الرعاية وقت الأزمات، وهو ما يعني ضرورة بلوغ الأفراد حالة من اليأس قبل طلب المساعدة.

وأوضحت: "الكثير من العمل الذي نقوم به في المملكة المتحدة هو عمل وقائي - حيث نذهب إلى المدارس، ونقدم التثقيف، وننظم الأنشطة... يتعلق الأمر أيضا بتطبيع المشكلات. إذا كان لديك شخص يتزايد قلقه، فإن تطبيع المشكلات وتقليل المخاوف سيُضعف احتمال تفاقمها."

ولمس هندري أيضا فوائد تطبيق التدابير الوقائية بشكل مباشر، مستشهدا بتجربة نائب رئيس أول ومدير عام لإحدى الشركات، يدير عائدات سنوية تقرب من مليارَي دولار أمريكي، ودأب على استخدام منصة "مليون حياة" كل بضعة أيام لتقييم صحته النفسية ومتابعة أسلوب حياته، فأصبح مناصرا بارزا لهذه المنصة.

ويمثل التحلي بالثقة بشأن معالجة مشكلات الصحة النفسية، لا سيما لدى الرجال، عائقا آخر أمام طلب المساعدة، غير أن هندري أكد أن البيانات التي جمعتها جاكوبس أظهرت أن هذا الأمر آخذ في التغير.

وقال: "يتساوى الرجال مع النساء من حيث احتمال دخولهم منصة ’مليون حياة‘ – بنسبة تكاد تصل إلى 50-50. نُدرك أن الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 35 و45 عاما، لا يودون حقا التحدث عن صحتهم النفسية، لكن هذه البيانات توضح أن الرجال يريدون التحدث عن صحتهم العقلية بسرية أو دون الإفصاح عن هويتهم – لمحاولة معالجتها بأنفسهم. وقد بدأ موظفو جاكوبس بمشاركة نتائج تقييم صحتهم النفسية من أجل كسر الحواجز التي تعيق خوض مناقشات صريحة بشأن الصحة العقلية."

وتطرق نيك مارتش، مساعد رئيس التحرير في صحيفة "ذا ناشونال"، في حديثه أثناء جلسة بعنوان  منصة السرد القصصي المتمحور حول الكرامة: إطلاق إمكانات العقول، إلى أهمية استخدام اللغة الصحيحة لإزالة الوصمة عن المناقشات التي تتناول الصحة النفسية، وقال: "نطاق الصحة النفسية واسع، ومع ذلك، فإن المصطلحات المرتبطة بها قد تكون محدودة في معظم الأحيان، لذلك نطلب من مراسلينا التزام الدقة. وغالبا ما تُروى القصص التي تتعلق بكوفيد-19 بلغة الأرقام أو العلم، بدلا من روايتها ضمن سياق الأزمة الإنسانية التي تمثلها هذه الجائحة."

بالنظر إلى البيانات التي جمعتها جاكوبس، أضاف هندري أن جائحة كوفيد-19 أثرت على كل فئة عمرية بشكل مختلف – وهو عامل آخر ضمن دراسة تحديات الصحة النفسية. وقال: "تتأقلم الفئات العمرية الأكبر بالشكل الأمثل، فأفرادها لا يتأثرون بالدرجة نفسها باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي؛ فتقل ضغوطاتهم النفسية، وقد يكون ذلك نتيجة تفوقهم من حيث الخبرة الحياتية والثقة بالنفس."

وأضاف: "وجدنا أن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاما يعانون بالدرجة الأكبر نظرا لخبرتهم الحياتية الأقل واستخدامهم الأكبر لوسائل التواصل الاجتماعي، ما يزيد من ضغوطاتهم النفسية. وفي الحقيقة، أفاد نحو 50.4 في المئة ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاما بتفيكرهم بالانتحار، فيما بلغت هذه النسبة 42 في المئة بين البالغين 25-35 عاما."

أوضح هندري أن منصة "مليون حياة" أصبحت متاحة مجانا لأي فرد، بغية السماح للجميع بالحصول على المساعدة، وتتبع صحتهم النفسية، ومنح أنفسهم معيارا أساسيا لمعرفة سبل التحسن – في ظل مساعدة المستخدمين على التحدث عن درجة تحملهم والارتقاء بها.

وعلى مستوى العالم، شهد فريق مبادرة "مليون حياة" خضوع 18,000 شخص لفحص كامل للصحة النفسية، حيث أخذوا من وقتهم نحو 15 دقيقة للإجابة عن 75 سؤالا ضمن الاستطلاع، وهو ما أكسب المبادرة 10 ملايين انطباع عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

يمكن الاطلاع على برنامج الفعاليات الرئيسية لأسبوع الصحة واللياقة، المقام في إكسبو 2020 دبي بالتعاون مع جامعة محمد بن راشد للطب والعلوم الصحية ومنظمة الصحة العالمية، عبر إكسبو الافتراضي.

أسبوع الصحة واللياقة واحد من 10 أسابيع موضوعات تقام في إطار برنامج الإنسان وكوكب الأرض في إكسبو 2020 دبي، حيث يتيح كل منها تبادل وجهات النظر الجديدة والملهمة في سبيل معالجة أكبر التحديات والفرص التي تواجهنا في عصرنا الحالي.